يصلون في ثلاثة جوامع المنصور، وجامع المدينة، وجامع 147 ب/ 3 الرصافة؟ ولم ينكر ذلك، قلنا: إنما ترك الإنكار: لأنها مسألة اجتهاد وليس لبعض المجتهدين أن ينكر على البعض منهم واعتقاده في بغداد أنها لا تجوز إلا في موضع واحد أيضاً.
وقال أبو الطيب بن سلمة: إنما منع الشافعي في غير بغداد حيث تكون البلد ذا جانب واحد وبغداد ذو جانبين وهذا لا يصح، لأن هذا القائل لا يجوز في بغداد إلا في موضعين وقد رأى الشافعي ثلاثاً في ثلاثة جوامع ولم ينكر. وقال أبو إسحاق وابن سريج: إنما لم ينكر، لأنه كان بلدا كبيراً لا يمكن اجتماع الجمع في موضع واحد إلا بمشقة عظيمة.
ولو أن مدينة اتصلت عمارتها فرسخين أو ثلاثة يلزمهم أن يجمعوا في موضع واحد لهذا وهذا أقرب وبه أقول، ولكنه عين قول أحمد رحمه الله، وليس بمذهب الشافعي رحمه الله لما ذكرنا. وقال أبو جعفر الترمذي من أصحابنا: إنما لم ينكر لأنها مدن اتصلت عمارتها لأن المنصور بنى المدينة منفردة على الكرخ وهذا بنى كل جانب منفرداً، فكل ناحية منها هي بمنزلة المدينة المنفردة، ثم اتصلت 148 أ/ 3 عمارتها فبقيت على حكمها، ألا ترى أنه لو اتصلت عمارة بغداد بواسط مثلاً لا يجعل في حكم البلد الواحد كذلك هاهنا، وفي هذا نظر أيضا.
وقال الداركي: سئل أبو إسحاق فقيل له: إن أهل مرو يصلون الجمعة في موضعين، ويمكنهم أن يجمعوا في موضع واحد فقال: لأهل مرو في ذلك قصة وذلك أن أبا مسلم دخل مرو وأخذ دوراً وبناها الجامع، فتورع الزهاد وأصحاب الحديث عن الصلاة فيه وصلوا في غيره، وصلى أصحاب الرأي في جامع أبي مسلم فحصلوا حزبين. فإذا تقرر هذا فكل بلد لا يجوز أن يصلوا الجمعة فيه، في موضعين إذا صلوها في موضعين لا يخلو من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن لا يكون في واحدة منهما إمام ولا صاحبه.
والثاني: أن يكون في إحداهما إمام وفي الأخرى صاحبه.
والثالث: أن يكون في إحداهما إمام أو صاحبة وليس في الأخرى واحد منهما. ففي القمسين الأولين إن علمت السابقة منهما بعينها ولم يشكل فإنها هي الجمعة الصحيحة، وعلى الآخرين أن يعيدوا الظهر أربع ركعات 148 ب/ 3 واعتبار السبق بالإحرام فإن الجمعة تنعقد بالإحرام، فإذا انعقدت لم يصح عقد غيرها وهذا هو المذهب، ومن أصحابنا من قال فيه قول آخر: إنه يعتبر بالفراغ، لأنه لا يحكم بصحتها إلا بالفراغ منها. وهذا غلط؛ لأنه يؤدي إلى أن يحكم بصحة انعقاد الجمعتين ثم ببطلان إحداهما وهذا لا يجوز.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: يعتبر بالشروع في الخطبة لأن حكمها حكم الصلاة لأنها لا تصح إلا بعد دخول وقت الصلاة وهذا ليس بشيء؛ لأن الخطبة شرط في الجمعة لا نفسها فلا اعتبار بالسبق فيها، فإن علمت السابقة ثم أشكلت أو علم أن إحداهما سبقت الأخرى، فإن في هذه الأقسام الأربعة يجب على الكل إعادة الصلاة. وقال المزني: لا تلزم الإعادة في القسمين الأولين من هذه الأقسام الأربعة لأنهما أديتا