من القتال، أو يتحيزوا إلى فئة من المسلمين في مواضع أخرى ليتقووا بهم، فهؤلاء لا تصح صلاتهم ولا تجب الإعادة؛ لأن انهزامهم لهذا السبب مباح، وان انهزموا للعجز والفشل، فإن كان بإزاء كل واحد من المسلمين ثلاثة من المشركين فأكثر فهؤلاء لا تصح صلاتهم ولا إعادة عليهم لأن للواحد أن يفر من الثلاثة، وإن كان بإزاء كل واحد منهم واحد أو اثنان لا تصح صلاتهم: لأنه لا يجوز للمسلم أن يفر من مشركين وإذا فر منهما كان عاصياً وصلاة شدة الخوف رخصة ولا تستباح الرخصة بفعل هو معصية.
وقال في "الحاوي" 193 أ/ 3 إذا عرفوا أنهم لا يطيقون قتال مثليهم من المشركين هل يجوز لهم أن يولوا من غير تحرف القتال أو تحيز إلى فئة؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} البقرة: 286 الآية.
والثاني: لا يجوز لأن لهم طريقاً إلى ما يجوز، إذ لا يعدم الانحياز إلى فئة قربت أم بعدت، وقال أبو حنيفة رحمه الله: جواز التولي الانحراف إلى القتال أو التحيز إلى فئة كانا في ابتداء الأمر ثم نسخا معاً وعليهم أن يقاتلوا ما أمكن.
مسألة: قال: ولو غشيهم سيل ولا يحدون نجوة.
الفصل
وهذا كما قال: النجوة الموضع المرتفع يلتجأ إليه لينجو به، وجملته: أن الرخصة في صلاة الخوف لا تختص بخوف القتال، بل كل خوف كان المصلي غير عاص في سببه فهو مثله، فإذا كان الرجل في واد فغشيه سيل وخاف إن وقف للصلاة لحقه السيل وغرقه، فإن كانت نجوة يأوي إليها فعدا في طول الوادي من السيل وصلى في حال عدوه لم يجز وان لم يجد نجوة جاز، وهذا إذا كان بالالتجاء إلى النجوة لا ينقطع عن أهله، ولا يخاف من المقام هناك الجوع وهلاكه منه ونحو ذلك 193 ب/ 3.
قال الشافعي رحمه الله: وإن أمكنهم نجوة لا بد أنهم دون ركابهم فلهم أن يهربوا ويصلوا صلاة الخوف، لأن الخوف على المال هو بمنزلة الخوف على النفس ذكره القاضي الطبري رحمه الله، وقد ذكره رحمه الله على وجه آخر وقد ذكرنا ذلك.
فرع
قال في "الأم": ولو كان في الصحراء في موضع حشيش وحطب يابس، فوقعت فيه نار فاشتعلت فخاف إن ثبت يصلي يحترق، فإن كان يجد نجوة يأمن بها من الحريق لجأ إليها، وان لم يجد وصلى في حال عدوه تجوز صلاته، وهكذا لو طلبته حية أو غيرها من السبع وخاف على نفسه منها وهرب، وكذلك لو طلبه جمل صائل أو فيل، فإنه تجوز صلاة الخوف بالإيماء أينما توجه.