وأن التثنية والتثليث مستحب؛ لأنه قال: "من توضأ مرتين أتاه الله أجره مرتين" أي يضعف أجره. وأن التثليث سنة, وعادته دعاؤه للأنبياء قبله. والشافعي قال: "والمرتان فضيلة, والثلاث سنة" وإنما قدم الفضيلة علة السنة؛ لأنه لة أخر الفضيلة لظن ظان أن كلما زاد على الثلاث كان أفضل, فأخر السنة ليعلم أنه لا يجوز مجاوزة السنة. وقال الشافعي في " الأم": " لا أحب أن يزيد على ذلك" فإن زاد لم يضره. حكاه القاضي الطبري. وقيل (75 أ/ 1): قال في "الأم": تكره الزيادة. فإن فعل لم يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن زاد هذا فقد أساء". رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأراد بقوله: أساء أي خالف السنة. وقوله: ظلم يعني جاوز الحد؛ لأن الظلم مجاوزة الحد ووضع الشيء في غير موضعه, ولم يرد به أنه يأثم. وروي: "ممن زاد أو نقص" الخبر. واختار أبو حامد أنه لا يكره, لأنه زيادة عمل وبر, والأصح أنه يكره, وقيل: يحرم وليس بشيء. وحكي عن مالك أنه قال: لا معنى للتكرار, والمرة الواحدة هي الأفضل, وهذا غير صحيح عنه عندي.
وحكي عن ابن أبي ليلى أنه قال: التكرار واجب, وهو غلط ظاهر, بدليل ما روينا من الخبر .. ثم أعلم أن هذا كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعالاً مختلفة في أحوال شتى, وهذا هو الأقرب, ويحتمل أنه كان منه في حالة واحدة على طريق التعليم؛ لأن مثل هذا بدعة إذا لم يكن على وجه التعليم, فإن من توضأ يكره له أن يتوضأ ثانيًا قبل أن يصلي بوضوئه صلاة, وقبل أن يحدث.
ثم قال الشافعي: وفي أتركه أن يتمضمض ويستنشق ويمسح أذنيه ترك للسنة", ولم يرد به الزجر حتى يسمى تارك السنة, ولكن أراد به أن هذه الأشياء مسنونة لا مرفوضة, ثم قال: "وليس الأذنان من الوجه فيغسلان ولا من الرأسي (76 ب/ 1) فيجزي مسحه عليهما فهما سنة على حيالهما" وقصد به الرد على مالك حيث قال: هما من الوجه يمسحان بالبلل الذي غسل به الوجه. والرد على أبي حنيفة حيث قال: هما في الرأس, فقال الشافعي: لو كانتا من الوجه لغسلنا مع الوجه, ولو كانتا من الرأس لأجزأ المسح عليهما من الرأس. وأخل المزني في عبارته من وجهين:
أحدهما: أن اللفظ الشافعي محتمل مشتمل على بيان المذهب وبيان الدليل, ولفظ المزني يعطي بيان المذهب ولا يعطي بيان الدليل.
والثاني: أنه قال: فيغتسلان, وجواب التفي بالفاء يكون منصوبًا, وعلامة النصب في التثنية سقوط النون, فكان من حقه أن يقول: وليست الأذنان من الوجه فيغتسلا, بإسقاط النون ومن أصحابنا من يعتذر له بأنه يجوز إثبات النون في هذا الموضع, كما