الغاسل، والثاني في يد المعين ويغرف المعين منه ويصبه على الذي في يد الغاسل، وأراد الشافعي بالإناءين غير الإناء الكبير، فإذا تقرر هذا، قال بعض أصحابنا: هذا يدل على أن بدن الميت نجس لأن الشافعي 276 أ / 3 أمر بحفظ الماء كي لا يتطاير إليه غسالة الميت فدل على نجاسته، وقيل: إنه نص على هذا في البويطي: فقال: ولا يصلي على الثوب الذي ينشف به الميت حتى يغسل ثانياً والمذهب الصحيح أن بدنه طاهر لقوله - صلى الله عليه وسلم -:" عليكم في مسلم غل إذا غسلتموه فإن ميتكم ليس بنجس حسبكم أن تغسلوا يديكم". رواه ابن عباس وبه قال عامة أصحابنا، وإنما أمر بحفظ الماء هاهنا مخافة أن يخرج منه نجاسة فيصيبها الماء ثم يصيب الماء المجموع فينجسه أيضا إذا مر به تنظيفاً وتطييباً للنفس، وهذا هو اختيار أبي إسحاق والصيرفي.
وذكر أبو حامد عن ابن سريج والأنماطي: أنه اختار القول الأول، وقال أبو حنيفة: الآدمي ينجس بالموت ولكنه يطهر بالغسل وقالت عائشة لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جاء أبو بكر من قبل رأسه فقبل جبهته ثلاثاً، ثم انحدر عليه فقبله، فقال في الأولى: وانبياه، وقال في الثانية: واصفياه، وقال في الثالثة: واخليلاه".
مسألة: قال: وغير المسخن من الماء أحب إلي.
وهذا كما قال. إذا كان الزمان صيفاً أو معتدلاً ولم يكن بالميت 276 ب / 3 حاجة إلى الماء المسخن، فغير المسخن أولى به وبه قال أحمد.
وقال أبو حنيفة: الماء المسخن أولى، لأنه ينقي ما لا ينقي البارد وهذا غلط: لأن الماء البارد يمسكه ويقويه ويشده والمسخن يرخي البدن فيسرع إليه الفساد، ولهذا يطرح في الماء الكافور ليشده ويبرده، فإن كان الزمان زمان برد شديد أو كان بالميت ما لا بد فيه من المسخن وكذلك إذا احتاج إلى تليين شيء من بدنه بالدهن لينه به ثم غسله بالماء، ثم قال: ("ويغتسل في قميص" وقد ذكرنا.
ومن أصحابنا من قال: وجه الجمع بين هذا اللفظ وبين ما سبق من قوله، ويرح عليه ما يواري ما بين ركبتيه إلى سرته إن الميت بين موته إلى أن ينقل إلى مغتسله يكون متجرداً عن القميص، فإذا أضجعه الغاسل على مغتسله ألبسه القميص ولا ينبغي أن يكشف عورته في هذه الحالة، ولكن يسترها بإزار ويدفع عنه الثوب الذي سجي به جميع بدنه، ثم يلبسه القميص فوق إزاره، ثم ينتزع الإزار من تحت قميصه.
ومن أصحابنا من قال: الغسل في 277 أ / 3 القميص للأشراف وذوي المروءات وهذا لا يصح، بل الصحيح أن الكل فيه سواء ثم قال: ولا يمس سائر بدنه أيضاً بيده إلا بخرقة لأنه إنما يمسه للغسل والتنظيف ومسه بالخرقة أنظف.