وإذا باع شيئاً بدراهم أو دنانير معينة تتعين؛ حتى لا يجوز إعطاء مثلها مكانها، ولو تلفت قبل القبض ينفسخ العقد، ولو وجد مشتريها بها عيباً لم يكن له أن يستبدل، بل عن شاء فسخ العقد، وإن شاء رضي به.
وقال أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما: الدراهم والدنانير لا يتعينان بالتعيين، حتى يجوز لبائعها إعطاء غير ما وقع عليه العقد من جنسه، وإذا تلفت قبل القبض لا ينفسخ العقد، وإذا وجد بها عيباً يستبدل؛ لأن المقصود منها رواجاً لا أعيانها وغيرها يعمل عملها.
فنقول: أجمعنا على أنها تتعين في الغصب والوديعة، وما يتعين في الغصب والوديعة يتعين في العقد؛ كالسلع، يؤيده: أنه لو أخذ صاعاً من صبرة، فباعه بعينه يتعين؛ حتى لا يجوز أن يعطي صاعاً آخر من تلك الصبرة، مكانه، ون كان يعمل عمله كذا.
هذا إذا أراد أن يعطي مثلها بغير رضا مشتريها. فأما إذا تراضيا على أن يأخذ مشتريها مثلها، أو شيئاً آخر من غير جنسها، فهو بيع المبيع من البائع، يجوز بعد القبض، ولا يجوز قبله.
وإذا باع شيئاً بدراهم أو دنانير، يشترط أن تكون معلومة بتعيين، أو وصف، أو كونه غالب نقد البلد؛ فلو باع بدينار أو بدرهم مطلقاً؛ نظر: إن كان نقد البلد واحداً انصرف إليه وصح، وإن كان في البلد نقود مختلفة انصرف إلى أعمها وأغلبها، إلا أن يقيد بغيره، فينصرف إلى ما قيده به. وإن استوت النقود كلها في الرواج، لا يصح العقد ما لم يقيد بواحد منها.
وكذلك تقويم المتلف يكون بغالب نقد البلد؛ فإن كان في البلد نقدان مستويان، فالقاضي يعين واحداً للتقويم.
ولو باع شيئاً بدراهم مغشوشة يصح العقد؛ على ظاهر المذهب؛ لأن المقصود منها رواجها، ولو باع بدرهم مطلقاً، ونقد البلد مغشوش، يجب درهم من ذلك.
ومن أصحابنا من قال: لا تصح المعاملة بالدراهم المغشوشة، فلو باع بدرهم مطلقاً، ونقد البلد مغشوش - لا يصح؛ لأن المقصود ما فيه من النقرة؛ وهي مجهولة؛ كما لا يجوز بيع تراب المعدن وتراب الصاغة، لأن المقصود ما فيه من الذهب والفضة، وهو مجهول.