وإيجاب القيمة رجوع إلى الاجتهاد والظن، وعند إمكان الرجوع إلى القطع: لا يصار إلى الظن؛ كما لا يصار إلى القياس عند وجود النص.
وحد المثلي كل مكيل أو موزون، جاز بيع بعضه ببعض، وجاز السلم فيه.
وشرطنا الكيل والوزن؛ لأن أجزاء المكيل والموزون قلما تختلف، وشرطنا جواز بيع بعضه ببعض؛ لأنه يشبهه من حيث إنه يأخذ مثله، وقلنا: يجوز السلم فيه، لأنه يشبهه من حيث إن البدل يثبت في ذمته؛ كالحيوان والثياب المتقومة؛ لأنها ليست بمكيلة ولا موزونة، وكذلك العنب والرطب والثمار الرطبة؛ لأنه لا يجوز بيع بعضها ببعض، واللبن الحامض والعسل المصفى بالنار واللآلئ والجواهر كلها متقومة؛ لأنه لا يجوز السلم فيها.
والدراهم والدنانير والحبوب والأدهان والألبان كلها مثلية؛ لاجتماع هذه المعاني فيها.
وقال العراقيون: حد المثلي: ما تتساوى أجزاؤه، ولا يختلف أجزاء النوع الواحد منه.
وقالوا: الصفر والنحاس متقوم وعلى الحد الذي ذكرنا مثلي، وما دام المثل موجوداً: عليه تحصيله، وإن علت قيمته، وإذا وقع المثل يبرأ، وإن قلت قيمته.
وقيل: إذا وجد المثل بأكثر من ثمن المثل: لا يلزمه المثل؛ لأن وجود الشيء بأكثر من ثمن المثل كعدمه؛ كالماء في الوضوء والرقبة في الكفارة؛ والأصح: أنه يلزمه، لأن المثل كالعين، ولو كانت العين قائمة: عليه ردها، وإن احتاج في ردها إلى أضعاف: ثمنها.
وإذا تراضيا على أخذ القيمة مع وجود المثل: جاز، وإن خرج المثل عن أن يكون متقوماً بتبدل مكان أو زمان: يجب عليه قيمته باعتبار مكان الإتلاف وزمانه، مثل: إن أتلف خمراً في الصيف؛ فليس له رد المثل في الشتاء، بل عليه قيمة مثله ي الصيف؛ وكذلك: لو أتلف عليه ماء في مفازة يعز فيها الماء، ثم اجتمعا في بلد ليس له رد المثل؛ بل يجب عليه قيمته في مثل تلك المفازة، فإذا أخذ القيمة في الشتاء، ثم جاء الصيف، أو أخذ قيمة الماء في البلد، ثم اجتمعا في مثل تلك المفازة، هل له رد القيمة، ومطالبته بالمثل، أو هل للغارم إعطاء المثل، واسترداد القيمة؟ فيه وجهان: