وإن ادعيا عليها، وأنكرت، حلفت أنها لا تعلم، ولا تسمع الدعوى مجهولة، وهو أن يقول: هي تعلم سبق أحد النكاحين، بل يدعي كل واحد منهما؛ أنها تعلم أن نكاحي سابق وتحلف هي يمينين؛ على دعوى كل واحد يميناً، فإذا حلفت لأحدهما؛ أنها لا تعلم سبق نكاحه، لا يكون إقراراً بسبق نكاح الآخر، بخلاف ما لو قالت لأحدهما: لم يسبق نكاحك، كان إقراراً للآخر، وإنما حلفناها على العلم؛ لأن المُدعي يدعي علمها، ولأنه يمين توجهت عليهما في أمر فعله غيرها.
وقال الشيخ القفال - رحمه الله-: إذا حضر الزوجان معاً، وادعيا علمها، حلفت لهما يميناً واحدة؛ أنها لا تعلم سبق أحد النكاحين؛ ولو أنها نكلت عن يمين العلم، فلا يحلفان على علمها، ويوقف.
ولو أنها أقرت لأحدهما، كانت منكوحة له؛ وهل تُسمع دعوى الثاني عليها، أم لا؟
فيه قولان؛ بناء على أنها لو أقرت للثاني بعد ما أقرت للأول، لا تكون منكوحة للثاني، وهل تغرم له المهر؟ فيه قولان؛ بناء على ما لو كانت في يده عين فقال: هذه لفلان لا بل لفلان - يسلم إلى الأول، وهل يُغرم قيمتها للثاني؟ فيه قولان:
أصحهما: لا يغرم؛ لأن إقراره للثاني صادف ملك العين؛ فلم يصح.
والثاني: يغرم؛ لأنه أتلف بإقراره الأول حق الثاني.
فإن قلنا: يغرم، فتسمع دعوى الثاني عليها؛ رجاء أن يقر؛ فيغرم المهر للثاني.
وإن قلنا: لا يُغرم، فهل له تحليفها؟ فيه قولان؛ بناء على أن يمين المُدَّعِي بعد نكول المدعي عليه بمنزلة إقرار المدعي عليه، أم بمنزلة إقامة البينة من المدعي؟ فيه قولان.
فإن قلنا: بمنزلة الإقرار - وهو الأصح- لا تُسمع دعواه عليها؛ لأن غاية ما فيه أن يقر، أو ينكل عن اليمين؛ فيحلف المدعي؛ فيكون كالإقرار، ولا يجب به شيءٌ. وإن قلنا: كالبينة، له تحليفها؛ فإن حلفت تسقط دعوى الثاني، وإن نكلت ردت اليمين إلى الثاني، وإن نكل استقر النكاح للأول، وإن حلفت فقد قيل يحكم بالنكاح للثاني؛ كما لو أقام بينة؛ لأن البينة تقدم على الإقرار.
والصحيح من المذهب: أنها منكوحة للأول، وتُغرم للثاني المهر؛ لأن النكول ورد اليمين بمنزلة البينة في حق المتداعيين، لا في إبطال حق الأول؛ لأنه أضعف من البينة؛ فحيث قلنا: تغرم المهر، فكم تغرم؟ فيه قولان: