باب نكاح حرائر أهل الكتاب ومائهم وإماء المسلمين
قال الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} المائدة: 5.
الكفارُ على ثلاثة أقسام: قسمهم لهم كتابٌ، وقسم لهم شبهة كتابٍ، وقسم لا كتاب لهم.
فأما الذين لهم كتاب: فهم اليهود والنصارى، فمن كان منهم من نسل بني إسرائيل يُقرون بالجزية، ويحل له نكاح حرائرهم، وأكل ذبائحهم؛ لأن الكتاب أنزل في آبائهم.
فأما من دخل في دينهم من غير نسلهم - نظر؛ إن دخلوا في دينهم قبل التبديل والنسخ- يقرُّ أولادهم الذين جاءوا من بعد بالجزية، وهل يحل نكاح حرائرهم، وأكل ذبائحهم؟
فيه قولان: أحدهما - وهو الصحيح من المذهب: يحل؛ كما يقرون بالزية.
والثاني: لا يحل اعتباراً بالنسب، وقررناهم بالجزية تغليباً للحقن.
والأول المذهب؛ لأن كل من دخل في دين في وقت كان حقاً، فتثبت له حرمة أهله؛ كمن دخل اليوم في الإسلام.
وإن دخلوا في دينهم بعد التبديل - نظر؛ إن دخلوا في دين قوم لم يبدل - كان كمن دخل قبل التبديل، وإن دخلوا في دين المبدلين، أو دخلوا فيه بعد النسخ - فلا فضيلة لهم، ولا يقرون بالجزية، ولا يحل منكاحتهم، ولا ذبيحتهم؛ لأن تلك الحرمة قد سقطت بالتبديل؛ كما بالنسخ.
أما هم أنفسهم: فن بدلوا بقيت لهم تلك الحرمة؛ لأنهم من أولاد من ثبتت لهم تلك الفضائل، وهؤلاء ليسوا من أولاد من ثبتت لهم تلك الفضائل.
ومن شككنا أنهم دخلوا في دينهم قبل التبديل أو بعده، فإنهم يقرون بالجزية تغليباً للحقن، ولا يحل منكاحتهم وذبيحتهم تغليباً للحرمة؛ كما حكم الصحابة في نصارى العرب.
أما الصابئون من النصارى، والسامرة من اليهود- يقرون بالجزية، وهل يحل نكاح حرائرهم، وأكل ذبيحتهم؟