نفسها عنه لاستيفائه، خلافاً لأبي حنيفة- رحمه الله -كما لو تبرع بتسليم المبيع قبل قبض الثمن- لم يكن له بعد ذلك رده إلى حبسه كقبض الثمن.
ولو أكرهها الزوج، فدخل بها، هل لها بعد ذلك منع النفس لاستيفاء الصداق؟
فيه وجهان: أصحهما: لها ذلك؛ كالمشتري إذا غصب المبيع من البائع قبل أداء الثمن -للبائع رده إلى حبسه.
والثاني: ليس لها ذلك؛ لأن البضع بالوطء صار في حكم التالف؛ كالمبيع إذا أخذه المشترين وهلك عنده- لم يكن للبائع بعده إلا المطالبة بالثمن، وكذلك لو سلم الولي الصغيرة والمجنونة إلى زوجها قبل أخذ الصداق.
فإن بلغت وأفاقت قبل أن دخل بها الزوج، فلها منع نفسها لقبض الصداق، وإن كان بعد ما دخل بها فوجهان.
وإن كانت المرأة صغيرة لا تحتمل الجماع، أو مريضة ليس للزوج وطؤها حتى تصير محتملة.
ولو وطيء الزوج امرأته، فأفضاها - لم يكن له العود إلى مباشرتها، حتى تبرأ البرء الذي إن أعاد لم ينكأها.
وإن اختلفا في البرء: فقال الزوجُ: قد برئت وأنكرت ما يدعيه الزوجُ - يحتمل أن ترى أربع نسوة عدول، فإن قلن: صارت محتملة، أجبرت على التمكين.
وإذا خلا رجل بامرأته ولم يدخل بها - فلا أثر لتلك الخلوة على قوله الجديد، وهو المذهبُ، حتى لو طلقها بعد الخلوة لا يجب إلا نصف المهر، ولا عدة عليها.
ولو اختلفا في الإصابة فالقول قول من ينفيها كما قبل الخلوة؛ وهو قول ابن مسعود، وابن عباس -رضي الله عنهما-، لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} البقرة: 237.
أوجب نصف المهر بالطلاق قبل المسيس، والمسيس هاهنا لم يُوجد. وفي القديم قولان:
أحدهما: لا يتعلق بالخلوة شيءٌ من هذه الأحكام، ولكنها دليل الإصابة، حتى لو اختلفا في الإصابة قبل الخلوة- فالقول قول من ينفيها، وبعد الخلوة القول قول من يثبتها؛ وبه قال مالك.
وقيل: قوله القديم: إن الخلوة كالإصابة في تقرير المهر، وإيجاب العدة، وإثبات الرجعة.