والثاني: وهو الأصح -: يجوز- لأن جميعه مفصلٌ واحدٌ في محل الجناية؛ فهو يترك بعض حقه؛ بخلاف ما لو قطع يده من المرفقين لأن هناك يمكنه أن يستوفي جميع حقه في محل جنايته، وههنا: لا يمكنه، فإن قلنا: لا يجوز - فله قطع كوعه.
قال الشيخ رحمه الله: فلو فعل، ثم أراد أن يعود، فيقطع مرفقه - لم يكن له ذلك؛ بخلاف ما لو قطع يده من المرفق، فاستوفى من الكوع، ثم أراد قطع مرفقه- جاز على أصح الوجهين؛ لأن - ثَمَّ - أمكنه وضع السكين على محل جنايته، وههنا: لا يمكنه وضع السكين على محل جنايته، وجوزنا له قطع ما دونه للضرورة، وقد قطع ما دونه؛ فلا قطع له بعده، ولا حكومة للساعد. وتجب حكومةُ نصف العضد.
قال رحمه الله: وعندي تجب حكومة الساعد أيضاً: كما ذكرتُ في قطع المرفق؛ لأن حكومة الساعد، إذا لم تدخل في دية ما دونه - فأولى أن ألا تدخل في قطع ما دونه، ولو قطع يده من نصف الكف - لم يكن له أن يقتص من ذلك الموضع؛ لأنه لا مفصل له، وله أن يقطع أصابعه، فإن عفا - أخذ دية الأصابع، وتدخل فيها حكومةُ نصف الكف، وإن قطع أصابعه - هل له أن يأخذ حكومة نصف الكفِّ؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ كما لو أخذ الدية - لا حكومة له.
والثاني: - وهو الأصح- له ذلك؛ بخلاف الدية - لأنه أخذ الدية استيفاءٌ حكمي؛ فيمكن أن يجعل في مقابلة الكل، والقصاص استيفاءٌ حسيّق؛ فلا يمكن أن يجعل في مقابلة الكف ونصف الكف باقٍ، ولو قطع يداً شلاء، ويد القاطع صحيحةٌ - لا تقطع يده الصحيحة بها، وإن رضي به: فلو قطع المجني عليه يده - يجب عليه نصف الدية، وعلى الجاني الحكومة.
ولو سرى يد الجاني إلى النفس - يجب عليه القصاص؛ لأنه قطع ما لم يكن له قطعه.
ولو قال الجاني: اقطع يدي مطلقاً، ففعل - فقد استوفى حقه، ولا شيء عليه.