وإن لم يكن أكثر ولا أرفع، جاز قبولها؛ والأولى: ألا يقبل؛ لجواز أن يكون بين يدي خصومة، فإن قبل أثابه عليه.
ولا يستحب للقاضي التخلف عن الولائم إذا دعي إليها، خصوصاً وليمة العرس، والختان، ولا يخص بالإجابة قوماً دون قوم؛ لأن تخصيص بعضهم بالإجابة ميل وترك للعدل.
إن كثرت الولائم، وقطعته عن الحكم، ترك الحضور في حق الجميع؛ لأن ترك القضاء يستضر به جميع المسلمين.
ويكره أن يجيب إلى دعوى خص بها القاضي، أو خص بها الأغنياء دون الفقراء؛ فإن دعي جيرانه؛ وهو منهم، أو دعي العلماء؛ والقاضي منهم- لم يكره الإجابة. وفي حال الخصومة لا يجوز أن يدعو أحد الخصمين إلى ضيافته، ولا أن يجيب واحداً من الخصمين، ولا أن يجيبهما إذا دعواه؛ لأنه ربما يزيد أحدهما في الإكرام؛ فيميل إليه.
ولا يدع عبادة المريض، وشهود الجنائز، واستقبال القادم؛ لأنه سنة، ولا يجب التعميم فيه؛ بخلاف إجابة الوليمة؛ لأنه إذا خص قوماً بالإجابة فيها، لا يؤمن من أن يميل إليهم في الحكم.
فصل في رزق القاضي
روي عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لما استخلف أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- قال: "لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين؛ فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وأحترف للمسلمين فيه".
إذا أخذ القاضي على لاقضاء رزقاً من بيت المال؛ نظر: إن لم يتعين عليه القضاء، يستحب ألا يأخذ إن كان له كفاية، فإن أخذ جاز. وإن تعين عليه؛ نظر: إن كانت له كفاية، فلا يجوز أن يأخذ عليه شيئاً؛ لأنه يؤدي فرضاً تعين عليه؛ فلا يجوز أن يأخذ عليه مالاً من غير ضوررة.
وإن لم يكن له كفاية، فله أن يأخذ كفايته؛ فإن أبا بكر- رضي الله عنه- لما ولي الخلافة خرج- وتحت يده رزقه- فقيل: ما هذا؟ قال: أنا كاسب أهلي. فقالوا: لا يصح هذا مع الخلافة. فاجتمعت الصحابة، وقدروا له كل يوم درهمين.