فإن كانا شريفين، فلا بأس أن يجلس أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره. والأولى أن يجلسا بين يديه؛ توقيراً لحكم الله تعالى.
وإن كان أحد الخصمين مسلماً، والآخر ذمياً، فهل يجوز أن يجلس المسلم بجنبه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لقول عمر- رضي الله عنه-: "أس بين الناس"، وكما يجب التسوية بينهما في الإقبال عليهما والاستماع منهما.
والثاني: يجوز؛ لما روي أن علياً- عليه السلام- جلس بجنب شريح في خصومة له مع يهودي، وقال: لو كان خصمي مسلماً لجلست إلى جنبه، ولكني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تساووهم في المجلس".
وإذا جلس الخصمان بين يديه، فله أن يسكت؛ حتى يتكلم واحد منهما، وله أن يقول للمدعي، إن علمه: تكلم، وإن لم يعلمه يقول: فليتكلم الطالب منكما؛ فإن ادعى كل واحد منهما أنه المدعي، فإن سبق أحدهما فهو المدعي.
وإن لم يعلم السابق، سأل القاضي عونه عمن أحضره، فمن أحضره العون فهو المدعي عليه، وإن حضرا بأنفسهما يقرع بينهما؛ فمن خرجت قرعته، ابتدأ الدعوى.
وإذا تكلما ينصت إلى كلامهما، ولا ينهرهما، ولا يلقن أحد الخصمين حجة، ولا شاهداً شهادة، ويجوز أن يستفسر.
فالتلقين: أن يقول: قل: كذا، والاستفسار: أن يدعي قتلاً؛ فيقول: كيف قتل عمداً أو خطأً؟ أو يدي دراهم؛ فيقول: هروية أو نيسابورية؟ صحاح أو مكسرة؟
وإذا ادعى أحدهما دعوى غير صحيحة، فهل له أن يلقنه كيف يدعي؟ فيه وجهان:
أحدهما- قاله الإصطخري-: يجوز؛ لأنه لا ضرر على الآخر في تصحيح دعواه.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه ينكسر قلب الآخر؛ فلا يتمكن من استيفاء حجته، وله أن يؤدي عن أحدهما ما عليه؛ لأن فيه نفعاً لهما، وله أن يشفع لأحدهما؛ لأن الإجابة إلى المشفوع إليه إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل.
وإن مال قلبه إلى أحدهما، فأحب أن يفلج ولم يظهر ذلك بقول ولا فعل- فلا حرج