فالنبي- صلى الله عليه وسلم- جعل الإمام ضامناً، والمؤذِّن أميناً، وحال الأمين أحسن من حال الضمين، والدعاء بالمغفرة خيرٌ من الدعاء بالإرشاد.
والنبي- صلى الله عليه وسلم- لم يختر الأذان؛ لأنه دعاء للجماعة والجماعة سنَّةٌ؛ فكانت تفترض بدعائه؛ لأن إجابته- عليه السلام- إذا دعا فريضة.
وقيل: إن وجد من نفسه كفاءة الإمامة؛ فالإمام في حقِّه أفضل، وإلا فالأذان أفضل.
ويستحب للمؤذِّن أن يتطوَّع بالأذان، فإن طلبه للرِّزق رزقه الإمام من مال المصالح؛ وهو خُمُس خُمُس الغنيمة والفيء سهم النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز أن يرزقه من أربعة أخماس خمس الغنيمة والفيء؛ لأنهما لأقوام مخصوصين؛ كما لا يجوز أن يرزقه من مال الصَّدقات. ولا يجوز أن يرزقه من أربعة أخماس الغنيمة؛ لأنها للغانمين وهل يجوز أن يرزقه من أربعة أخماس الفيء؟ فيه قولان إن جعلناها للمصالح جاز، وإن جعلناها للمرتزقة فلا، ولا يجوز للإمام أن يرزقه من مال بيت المال؛ وهو يجد أميناً يتطوَّع بالأذان، فإن وجد متطوعاً، غير أن الذي يطلب الرزق أحسن صوتاً؛ هل يجوز أن يرزقه، أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ نظراً لبيت المال.
والثاني: يجوز؛ لأن صوته أبعث للناس على الجماعة.
وإن كان في البلد مساجد؛ نظر؛ إن لم يكن جمعهم في مسجد واحد، يجوز أن يرزق عدداً من المؤذنين بقدر ما تقع بهم الكفاية. وإن أمكن جمعهم في مسجد واحد، فيه وجهان:
أحدهما: لا يرزق الكل؛ نظراً لبيت المال؛ كما لو كان في مسجد مؤذنان، لا يرزق إلا واحداً.