سواء ادعى نقصانًا قليلاً كان أو كثيرًا ـ نصَّ عليه الشافعيُّ في (الصرف) ـ لأن الأصل عدم القبض وبقاء الحق، فلا يبرأ من عليه الحق، إلا من القدر الذي يقر به القابض.
فإن قيل: كيف سمعت دعوى القابض في النقصان، وقد قال الشافعي في المسألة: (فصدقه في كيله) ؟
قال أصحابنا: لم يُرد الشافعي: أنه اعترف بصحة الكيل، وإنما هو قبول قول المخبر، وحمل قوله على الصدق، فإن بان له أنه بخلافه.. سمعت دعواه.
قال الشيخ أبو حامد: إذا ثبت هذا: فإنه يكون قبضًا فاسدًا، فإن المسلم إذا قبضه وكان قدر حقِّه وزيادة عليه.. فإنه يملك بقدر حقه بالقبض، وينتقل الضمان إليه، وتبرأ ذمة البائع عنه.
وهل يجوز للقابض التصرف فيه؟ نظرت:
فإن أراد أن يتصرف في الجميع.. لم يجز؛ لأن للبائع فيه تعلقًا؛ لأنه ربما إذا كيل يخرج زيادة على قدر ما يستحق القابض، فلم يصح تصرفه في الجميع.
فإن أراد أن يبيع منه قدر ما يتحقق أنه يخصه، بأن باع نصف قفيز منه، وله قفيز.. ففيه وجهان:
أحدهما : قال أبو إسحاق: يصح؛ لأن ذلك الشيء في ملكه، وانتقل الضمان إليه، ويعلم أنه قدر حقه، فجاز بيعه فيه.
و الثاني : قال أبو عليِّ بن أبي هريرة: لا يصح بيعه، وهو المنصوص في (الصرف) ، ولأن العلقة باقية بينه وبين البائع. قال فيه: (لأن ماله غير متميِّز عن مال البائع، فلم يصح بيعه فيه) .