فإن قال الموكل: توكل عني.. فهما وكيلان للموكل لا تبطل وكالة أحدهما ببطلان وكالة الآخر.
وإن قال: توكل عني فلانا.. وكله، أمينا كان أو غير أمين؛ لأنه قد قطع اجتهاده بالتعيين، وإن لم يعين له من يوكله.. لم يوكل عنه إلا أمينا؛ لأنه لا نظر للموكل في توكيل غير الأمين.
وإن قال: توكل عن نفسك.. فإن الثاني وكيل الوكيل، فإن عزل الوكيل الأول، أو مات الأول.. انعزل الثاني؛ لأنه فرع له، فإذا بطلت وكالة الأصل.. بطلت وكالة الفرع، فإن عين له من يوكله.. وكله، خائنا كان أو أمينا، وإن أطلق.. لم يوكل إلا أمينا، فإن صار الثاني بعد ذلك خائنا.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو إسحاق:
أحدهما: للوكيل أن يعزله؛ لأنه لا نظر للموكل في استعمال من ليس بأمين.
والثاني: ليس له أن يعزله؛ لأنه إنما جعل إليه التوكيل، ولم يجعل إليه العزل.
وإن وكله، ولم يأذن له في التوكيل.. نظرت:
فإن كان ما وكل فيه مما يتولاه الوكيل بنفسه في العادة، ويقدر عليه.. لم يصح توكيله فيه؛ لأن الموكل إنما رضي باجتهاده ونظره، دون اجتهاد غيره ونظره.
فإن قيل: أليس الوصي يجوز له أن يوكل وإن لم يأذن له الموصي في التوكيل؟
قلنا: إنما جاز ذلك للوصي؛ لأنه يتصرف بولاية، بدليل: أنه يتصرف فيما لم ينص له على التصرف فيه، والوكيل لا يتصرف إلا فيما نص له عليه.
وإن وكله في تصرف يتولاه بنفسه، ويقدر عليه، وقال له الموكل: اصنع فيه ما شئت.. فهل له أن يوكل غيره؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو قول أبي حنيفة ـ: أنه يصح توكيله فيه؛ لعموم قوله: أصنع فيه ما شئت.