إذا ثبت هذا: فللمعير أن يرجع في العارية متى شاء، سواء كانت العارية مطلقة، أو مؤقتة وإن لم تنقض المدة، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد.
وقال مالك: (إذا أعاره مدة مؤقتة.. لم يجز له أن يرجع فيها قبل انقضاء المدة، وإن أعاره مدة مجهولة.. لزمه تركه مدة ينتفع بها في مثلها) . وبنى مالك ذلك على أصله: أن الهبة تلزم بالعقد من غير قبض.
دليلنا: أن المنافع المستقبلة لم تحصل في يده، فكان للمعير الرجوع فيها، كما لو لم يقبض العين، ويجوز للمستعير أن يرد العارية متى شاء؛ لأنه ملك الانتفاع بالإباحة، فكان له ردها متى شاء، كما لو أباح له أكل طعامه.
وإن مات المعير، أو جن، أو أغمي عليه، أو حجر عليه للسفه.. انفسخت العارية؛ لأنها عقد جائز، فبطلت بما ذكرناه، كسائر العقود الجائزة.
وإن مات المستعير.. انفسخت العارية؛ لأن الإذن بالانتفاع إنما كان للمستعير دون وراثه، وإذا انفسخت العارية.. وجب على المستعير ردها، ومؤنة الرد عليه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث صفوان: «عارية مضمونة مؤداة» . فوصف العارية بذلك، فدل على: أن ذلك مقتضى حكمها، فإن ردها المستعير إلى المالك، أو إلى وكيله.. برئ من الضمان. وإن ردها إلى ملك المعير، بأن استعار دابة فردها إلى إصطبل المالك..لم يبرأ بذلك.
وقال أبو حنيفة: (يبرأ بذلك) .
دليلنا: أنه لم يردها إلى المالك، ولا إلى وكيله، فلم يبرأ بذلك، كما لو غصب مائة عينا، أو سرقها، فردها إلى ملكه.. فإنه لا يبرأ بلا خلاف.
مسألة: استعمال عين العارية : ومن استعار عينا.. فله أن يستوفي منفعتها بنفسه، وبوكيله؛ لأنه نائب عنه، وإن استعار دابة لتركبها امرأته زينب.. فهل له أن يركبها عمرة؟ ينظر فيه:
فإن كانت عمرة أثقل منها.. لم يكن له ذلك؛ لأن ذلك انتفاع غير مأذون فيه.