إذ السيل النادر مظنون، والمطر الكثير قد يقل؛ لأن العادة قد جرت أن الكثير قد يقل، فلم يصح، كما لو أكراه أرضًا لا يملكها.
الثانية: أن يقول: أجرتك هذه الأرض، وهي أرض بيضاء لا ماء لها، ولا يقول: للزراعة.. قال الشيخ أبو حامد، وعامة أصحابنا: فتصح الإجارة؛ لأن الأرض قد تكترى للزرع وغيره، بأن يقعد فيها، أو يؤوي إليها بهائمه، أو يطرح فيها طعامًا أو حطبًا.
وقال الصيمري: لا تصح هذه الإجارة حتى يقول: أجرتكها أرضًا بيضاء لا ماء لها، تصنع بها أنت بلا ماء لنفسك ما شئت، ولا يستغنيان بقولهما: لا ماء لها، فإن لم يقولا جميع ذلك.. بطل؛ لأن الظاهر عند الإطلاق - ولا ماء لها - أن رب الأرض ربما تكلف سوق الماء إليها.
إذا ثبت هذا: فيجوز له أن يزرع هذه الأرض مدة الإجارة، ويحفر فيها بئرًا للسقي؛ لأن الزرع من منافع تلك الأرض، وله طم البئر، وله تركها إذا رضي مالك الأرض بتركها. وليس له الغرس فيها، ولا البناء؛ لأنهما يرادان للبقاء، والمكري لم يدخل على أن يبقى في أرضه شيء بعد مدة الإجارة.
الثالثة: أن يقول: أجرتك هذه الأرض، ولم يقل: للزراعة، ولا أنها أرض بيضاء، فهل تصح الإجارة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا تصح؛ لأن الأرض إنما تراد للزرع في العادة والغالب، ولو شرط الزراعة.. كان باطلًا، فكذلك إذا أطلق.
والثاني: ينظر فيها: فإن كانت بحيث لا يمكن أن يساق إليها ماء من نهر لارتفاعها، ولا يتأتى فيها بئر يحفر لصلابتها أو لقلة الماء فيها.. صح الكراء؛ لأن عمله بذلك بمنزلة ما لو شرط أنها أرض بيضاء.