لا يجب عليه دفعها إليه. وبه قال أبو حنيفة، وعامة أهل العلم.
وقال أحمد وبعض أصحاب الحديث: (يجب عليه دفعها إليه بذلك) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن جاء ربها.. فهو أحق بها، وإلا.. فشأنك بها» .
و (ربها) : مالكها، ونحن لا نعلم مالكها بوصفه لها، ولأنه وصف لما ادعاه فلم يستحقه بالصفة، كالمغصوب والمسروق. وكما لو كان عند رجل وديعة، وأشكل عليه المودع لها، فجاء رجل ووصفها بصفاتها، فإنه لا يجبر على دفعها إليه بذلك فكذلك هذا مثله.
إذا ثبت هذا: فإن اختار الملتقط دفع اللقطة إلى من وصفها بصفاتها، ثم جاء طالب آخر وادعى أنها له، وأقام بينة أن تلك اللقطة ملكه، أو أنه ابتاعها من مالكها، ولا يعلم أنها انتقلت منه - قال الشيخ أبو حامد: أو شهدت له أنه ورثها ولا يعلم أنها انتقلت من ملكه - حكم لصاحب البينة بملك اللقطة؛ لأن البينة أولى من الصفة.
فإن كانت اللقطة باقية.. أخذها الثاني ولا كلام، وإن كانت قد تلفت في يد الأول الذي أخذها بالصفة.. فللثاني الذي أقام البينة أن يطالب ببدلها الملتقط؛ لأنه دفعها إلى غير مستحقها، وله أن يطالب الذي تلفت في يده؛ لأن التلف حصل بيده. فإن ضمن الذي تلفت بيده.. لم يرجع بما ضمنه على الملتقط؛ لأنه يقول: ظلمني صاحب البينة، فلا يرجع على غير من ظلمه. وإن رجع صاحب البينة على الملتقط.. فهل للملتقط أن يرجع بما ضمنه على الذي تلفت في يده؟ ينظر فيه:
فإن كان قد سمع من الملتقط إقرار أن الملك للواصف، بأن يقول: هي ملكك، أو صدقت هي ملكك، وما أشبه ذلك.. لم يرجع الملتقط على الذي تلفت بيده بشيء؛ لأنه يعترف أن صاحب البينة ظلمه، فلا يرجع على غير من ظلمه.
وإن لم يتقدم منه إقرار بالملك للواصف، بأن قال حين الدفع: يغلب على ظني صدقه، إذا دفع إليه بالصفة.. كان له الرجوع على الواصف؛ لأن التلف حصل بيده، ولم يقر له بالملك.
هذا إذا دفعها الملتقط إلى الواصف برأيه. فأما إذا دفعها إليه برأي حاكم يرى