أحدهما: أنهما كناية. وهو اختيار المحاملي؛ لأن قوله حرمت: يقتضي تحريمًا عن نفسه، ولا يقتضي تمليك العين. والوقف يقتضي تمليك العين، فلم تكن صريحة.
وقوله أبدت: يقتضي التأبيد، وليس لهذه اللفظة عرف مستعمل.
والثاني: أنهما صريحان. وهو اختيار ابن الصباغ؛ لأن لفظة التحريم والتأبيد في الجمادات لا يصلحان لغير الوقف.
قال ابن الصباغ: ولأن الشافعي جعلهما مع لفظة الصدقة صريحين في الوقف. ولو كانا كناية في الوقف.. لم تصر الصدقة بهما صريحًا؛ لأن بإضافة الكناية إلى الكناية لا يحصل الصريح.
فرع يلزم الواقف للمسجد والمقبرة أن يتلفظ بذلك : فإن بنى مسجدًا وأذن للناس في الصلاة فيه، أو أذن للناس في الدفن في أرضه.. لم يصيرا بذلك وقفًا.
وقال أبو حنيفة: (إذا بنى في داره مسجدًا، وفتح بابه إلى الشارع، وأذن للناس في الصلاة فيه، أو أذن للناس بالدفن في أرضه.. صار بذلك وقفًا) .
دليلنا: أنه تحبيس عين على وجه القربة، فكان من شرطه القول مع القدرة عليه، كما لو حبس دارًا على الفقراء والمساكين. وهذا احتراز من الأخرس.
مسألة صحة الوقف تزيل الملك) : وإذا صح الوقف.. زال ملك الواقف عن الوقف.
وحكى أبو العباس ابن سريج فيه قولًا آخر: أنه لا يزول ملكه عن الوقف، وهو قول مالك، والأول هو المشهور؛ لأن الوقف سبب يقطع تصرف الواقف في الرقبة والمنفعة، فأزال الملك، كالعتق.