وإذا ثبت أنه لم يرد ما بقى في الإناء.. ثبت أنه أراد ما استعملت. ولأن الصحابة والتابعين - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - ومن بعدهم كانوا يسافرون ويعدمون الماء فيتيممون وما روي عن أحد منهم: أنه توضأ بالماء المستعمل، وقد اختلفوا فيمن وجد من الماء ما لا يكفيه لأعضاء الطهارة:
فمنهم من قال: لا يجب عليه أن يتوضأ بما معه من الماء، بل يتيمم.
ومنهم من قال: يجب عليه أن يتوضأ بما معه من الماء ثم يتيمم.
ولم يقل أحد منهم: يغسل بما معه من الماء ما قدر عليه من أعضائه إلى إناء، ثم يتم به وضوءه، ولو كان الماء المستعمل في رفع الحدث مطهرًا لقالوا ذلك.
ومن أصحابنا من قال: المسألة على قول واحد، وأنه غير مطهر؛ لأن رواية أبي ثور - أن الشافعي توقف فيه - لا تدل على أنه مطهر عنده، ورواية عيسى بن أبان: لا يعتد بها؛ لأنه رجل مخالف.
قال المحاملي: والأول أصح؛ لأنه ثقة، فقبلت روايته وإن كان مخالفًا.
فإذا قلنا: إنه مطهر.. جاز رفع الحدث به ثانيًا، وجاز إزالة النجس به.
وإذا قلنا: إنه ليس بمطهر.. لم يجز رفع الحدث به ثانيًا، وهل يجوز إزالة النجس به؟ فيه وجهان:
أحدهما : من أصحابنا من قال: يجوز؛ لأن للماء حكمين: رفع حدث، وإزالة نجس، فإذا رفع الحدث.. بقي عليه إزالة النجس.