إذا ثبت هذا: فإن التخيير كناية في الطلاق، فلا يقع به طلاق حتى يقول الرجل لامرأته: اختاري نفسك، وينوي بذلك: أنه جعل طلاقها إليها، وتقول المرأة، اخترت نفسي، وتنوي بذلك الطلاق.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هو صريح في الطلاق) .
دليلنا: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير عائشة، وأمرها أن تشاور أبويها، فلو كان الطلاق قد وقع، وبانت منه.. لم يمكنها مشاورتهما، ولأنها لو بانت منه.. لما أفاد اختيارها له.
إذا تقرر هذا: فإن غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خير زوجته.. فلا خلاف على المذهب: أن قبولها يجب أن يكون على الفور، بحيث يصلح أن يكون جواباً لكلامه.
وأما تخيير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لزوجاته.. ففيه وجهان:
أحدهما : من أصحابنا من قال: إنه على التراخي، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فقال لها: «لا تحدثي أمرا حتى تشاوري أبويك» فأجاز لها تأخير الجواب إلى مشاورتهما، فدل على: أن الجواب لا يقتضي الفور.
و الثاني : منهم من قال: إنه على الفور، وهو الصحيح، لأن التخيير يجري مجرى البيع والهبة، فلما كان قبول بيع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهبته على الفور.. فكذلك تخييره وأما تخيير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: فكان تخييراً موسعا إلى مشاورة أبويها، ولو أطلق التخيير.. لاقتضى الجواب على الفور. هذا نقل الشيخ أبي حامد. وقال المسعودي في " الإبانة " : إذا اختارت واحدة منهن الدنيا.. وقعت الفرقة، وهل كان ذلك طلاقا أو فسخاً؟ فيه وجهان.
فإن قلنا: كان طلاقاً.. فهو على الفور، وإن قلنا: كان فسخاً.. فهو على التراخي. وقال القفال: إن اختارت واحدة منهن الدنيا.. فهل تبين منه بذلك، أو يلزمه أن يطلقها؟ فيه وجهان: