وقال غيره من أصحابنا: يبعث آخرين، فإن عادا بالجرح.. ثبتت بينة الجرح وسقط التعديل. وإن عادا بالتعديل.. تمت بينة التعديل وسقط الجرح. وإن عاد أحدهما بالجرح والآخر بالتعديل.. قدمت بينة الجرح على بينة التعديل؛ لأن من شهد بالتعديل.. شهد بأمر ظاهر، ومن شهد بالجرح.. شهد بأمر باطن خفي على بينة التعديل، فقدمت شهادته، كما لو شهد شاهدان: أن لرجل على رجل دينارا، وشهد آخر: أنه قد قضاه ذلك الدين.. فإن بينة القضاء تقدم.
قال أصحابنا: ولا تقدم بينة التعديل على بينة الجرح إلا في مسألتين:
إحداهما: إذا شهد شاهدان على رجل بالجرح في بلد آخر، وانتقل ذلك الرجل إلى بلد آخر وشهد شاهدان على تعديله بالبلد الذي انتقل إليه.. فيقدم التعديل هاهنا؛ لأن العدالة هاهنا طارئة على الجرح، والتوبة ترفع المعصية.
الثانية: إذا شهد اثنان أنه زنى أو سرق، وشهد آخران أنه تاب من ذلك وحسنت حالته.. فإن العدالة هاهنا مقدمة؛ لأن التوبة رفعت المعصية.
واختلف أصحابنا في موضع الوجهين في اعتبار العدد في أصحاب المسائل:
فقال ابن الصباغ: الوجهان إذا عين الحاكم لهم من يسألونه، فأما إذا لم يعين لهم من يسألونه وإنما رد إليهم الأمر.. فإن العدد شرط فيهم وفيمن يسألونه، فلا يقبلا إلا من اثنين، فإن عادوا إليه فشهدوا بالجرح أو التعديل بشهادة أنفسهم، فيسمع ذلك من اثنين.
وقال سائر أصحابنا: لا فرق بين أن يعين لهم من يسألونه أو لا يعين لهم، فالحكم في اعتبار العدد فيهم على الوجهين. هذا مذهبنا. وقال أبو حنيفة: (يجوز أن يكون المزكي واحدا) .
دليلنا: أنه إثبات صفة، فافتقر إلى العدد، كالحصانة في الزاني والمقذوف.