ولا يقبل التعديل إلا ممن له خبرة باطنة وخبرة طويلة بالشاهد؛ لأن المقصود معرفة حال الشاهد في الباطن، وذلك لا يدركه إلا من خبر باطنه وطالت خبرته به، فأما من يعرفه في شهر أو شهرين.. فلا يقبل منه التعديل؛ لأنه ربما يكون قد تقدم منه فسق لم يعرفه، فلم يقبل تزكيته.
وأما الشهادة بالجرح: فتقبل ممن يخبر باطنه وممن لا يخبر باطنه؛ لأن الجرح يحصل بفعل واحد، فإذا علمه.. جرح به.
فرع الجهر بتزكية الشاهد بعد السؤال عنه سرافرع: طلب الحاكم الجهر بتزكية الشاهد بعد السؤال عنه سرا : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (ويسأل عمن جهل عدالته سرا، فإذا عدل.. سأل عن تعديله علانية؛ ليعلم أن المعدل سرا هو هذا؛ لئلا يوافق اسمه اسما) . واختلف أصحابنا في تأويل هذا على حسب اختلافهم في المزكين:
فقال أبو إسحاق: أراد به: أن أصحاب المسائل إذا أخبروا الحاكم بعدالة الشاهد سرا.. لا يقتصر على ذلك، بل يحضر المزكين من الجيران ويقول لهم: هذا الذي سألناكم عن عدالته، فيخبروه عن عدالته جهرا؛ لئلا يوافق اسمه اسما آخر ونسبه نسبا آخر.
وقال أبو سعيد الإصطخري: وأراد بذلك: أن أصحاب المسائل إذا أخبروا الحاكم بعدالة الشاهد سرا.. سألهم عن عدالته جهرا.
وإن ادعى رجل على رجل حقا فأنكره، فشهد له بذلك شاهد مجهول الحال عند الحاكم، فقال المشهود عليه: هو عدل.. فهل يجوز للحاكم أن يحكم عليه بشهادته؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأن البحث عن عدالته لحق المشهود عليه، وقد شهد له بالعدالة.
والثاني: لا يجوز أن يحكم بشهادته حتى يبحث عن عدالته؛ لأن اعتبار العدالة في الشهادة حق لله تعالى؛ ولهذا: لو رضي المشهود عليه بالحكم عليه بشهادة الفاسق..