الظن.. فلأن يجوز أن يقضي بما علمه بنفسه من طريق القطع أولى.
وإن كان ما يقضي به من حقوق الله تعالى، كالحد في الزنا، والقطع في السرقة.. فهل يجوز له أن يقضي فيه بعلمه من غير بينة؟ يبنى على القولين في حقوق الآدميين:
فإن قلنا: لا يجوز له أن يقضي علمه في حقوق الآدميين.. لم يجز له أن يقضي به في حقوق الله تعالى.
وإن قلنا: يجوز له أن يقضي في حقوق الآدميين.. ففي حقوق الله تعالى قولان:
أحدهما: يجوز له أن يقضي فيه بعلمه؛ لما ذكرناه.
والثاني: لا يجوز له، وهو الأصح؛ لما روي عن أبي بكر: أنه قال: (لو رأيت رجلا على حد.. لم آخذه به حتى تقوم به البينة عندي) . ولأن الحد مندوب إلى الستر فيه، فلم يجز أن يحكم فيه بعلمه.
إذا ثبت هذا: فقد قال الربيع: مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القاضي يحكم بعلمه، وإنه يوقف فيه لفساد القضاة، ولا فرق عندنا بين أن يعلم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، في عمله أو في غير عمله.
وقال أبو حنيفة، ومحمد: (إن علمه قبل ولايته أو في غير عمله.. لم يجز أن يقضي فيه بعلمه، وإن علمه بعد ولايته في عمله.. جاز له أن يقضي فيه بعلمه) .
دليلنا: أنه يعلم صحة ذلك، فجاز له القضاء به، كما لو علمه بعد ولايته في عمله، هذا الكلام في المدعى عليه إذا أقر وأنكر، فأما إذا سكت فلم يقر ولم ينكر.. فإن القاضي يقول له: أجب عن دعواه، فإن أجبت، وإلا.. جعلناك ناكلا وردت