فيما يجب على الشهود؛ فلا يخلو المشهود به: إما أن يكون إتلافا أو في معنى الإتلاف، أو يكون مالا.
فإن كان إتلافا؛ كالشهادة فيما يوجب القتل والقطع والرجم.. وجب على الشهود الضمان؛ لأن المشهود عليه قتل أو قطع بسبب ملجئ من قبل الشهود.. فوجب عليهم ضمانه، كما لو أتلفوه بأيديهم. إذا ثبت هذا: ففيه ثمان مسائل:
إحداهن: أن يشهد رجلان أو جماعة على رجل بما يوجب القتل فقتل، أو بما يوجب القطع فقطع، ثم رجعوا عن الشهادة، فإن قالوا: تعمدنا الشهادة عليه ليقتل أو ليقطع.. وجب عليهم القتل أو القطع، وبه قال ابن سيرين وأحمد وإسحاق.
وقال ربيعة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: (لا يجب عليهم القتل ولا القطع، وإنما يجب عليهم الأرش) .
دليلنا: ما روي: أن رجلين شهدا عند أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على رجل بالسرقة فقطع يده، ثم رجعا عن الشهادة وقالا: أخطأنا، فقال: (لو أعلم أنكما تعمدتما.. لقطعتكما) .
وروي: (أن رجلين شهدا عند علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على رجل بالسرقة فقطع يده، ثم أتياه بآخر فقالا: هذا هو السارق وأخطأنا بالأول، فرد شهادتهما على الثاني، وغرمهما دية يده، وقال: لو أعلم أنكما تعمدتما.. لقطعتكما) .
ولا مخالف لهما في الصحابة، ولأنه نوع إتلاف يضمن بالفعل فضمن بالقول كالعتق، ولأنهما ألجآ الحاكم إلى إتلافه فصارا كالمكرهين له على إتلافه شرعا، والقود يجب عندنا وعنده على المكره الآمر، وكذلك هذا مثله.
المسألة الثانية: أن يقول الشهود: تعمدنا الشهادة عليه بالقتل والقطع والزنى، وما ظننا أنه يقتل أو يقطع بشهادتنا، وإنما ظننا أنه يجلد أو يحبس، وهم ممن يجوز أن يجهلوا ذلك.. فلا يجب عليهم القود؛ لأنهم لم يعترفوا بما يوجب القود، وتجب عليهم دية مغلظة من أموالهم؛ لأنها عمد خطأ، ولا تحملها العاقلة؛ لأنها وجبت باعترافهم، وهل تجب الدية حالة أو مؤجلة؟