قال في "العدة": إن اكتفينا بواحد فيعتبران، وإن قلنا: لا بد من اثنين جاز أن يكون أحدهما عبداً أو امرأة، وعن الشَّاشِي حكاية وجهين في اعتبار الذكورة مطلقاً، ولك أن تقول: إن اكتفينا بواحد فسبيله سبيل الحكم فينبغي أن تعتبر الحرية والذكورة، وإن اعتبرنا اثنين فسبيله سبيل الشهادات، فينبغي أن تعتبر الحرية أيضاً، وأن تعتبر الذكورة في أحدهما، وتقام امرأتان مقام الثاني. وأما لفظ الكتاب فقوله: "ويستحب أن يخرص عليه" يجوز أن يُعَلَّم بالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة -رحمه الله- في الخَرْص روايتان:
إحداهما: أنه لا يجوز أصلاً.
والثانية: أنه لا يتعلق به التَّضمين كما هو أحد قولينا، ويجوز إعلامه بالواو أيضاً؛ لأن صاحب "البيان" ذكر أن الصيمري حكى وجهاً أن الخَرْص واجب. وقوله: "فيعرف ما يرجع إليه تمراً" تمثيل لا تخصيص، فإن الكرم أيضاً يخرص فيعرف ما يرجع إليه زبيباً. وقوله: "ولا يترك بعضه لمالك النخيل" مُعَلَّم بالواو؛ لما رواه صاحب "التقريب" وبالألف؛ لأن عند أحمد لا يحسب عليه ما يأكله بالمعروف ولا يطعم جاره وصديقه. وقوله: قبله ويدخل في الخرص جميع النخيل لو اقتصر عليه ولم يذكر "ولا يترك بعضه، لمالك النخيل" لكان بسبيل منه. وقوله: "أَوْ لاَ بُدَّ من اثنين"، يجوز إعلامه بالألف لما سبق. وقوله: "قولان" بالواو للطريقة القاطعة بالاكتفاء بواحد.
قال الغزالي: وَمَهْمَا تَلِفَ بِآَفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى المَالِكِ لِفَوَاتِ الإمْكَانِ، وَلَوْ كَانَ بِإِتْلاَفِهِ غُرِّمَ قِيمَةَ عُشْرِ الرُّطَبِ عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ الخَرْصَ عِبْرَةٌ، أَوْ قِيمَةُ عُشْرِ التَّمْرِ عَلَى قَوْلنَا: إنَّهُ تَضْمِينٌ، ثُمَّ إِذَا ضَمَّنَّاهُ التَّمْرَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِي الجَمِيعِ، وَإِنْ لَمْ نُضَمِّنَهُ نَفَذَ فِي الأَعْشَارِ التِّسْعَةِ وَلَمْ يَنْفَذْ فِي العُشْرِ إِلاَّ إِذَا قُلْنَا: الزَّكَاة لاَ تَتَعَلَّقُ بِالعَيْنِ.
قال الرافعي: حكى الأئمة قولين في أن الخَرْصَ عبرة، أو تضمين.
أحدهما: أنه عبرة أي هو لاعتبار المقدار، ولا يصير حق المساكين بجريانه في ذمّة ربّ المال بل يبقى على ما كان؛ لأنه ظنّ وتَخْمِين فلا يؤثر في نقل الحق إلى الذمة.
وأصحهما: أنه تضمين أي: حق المساكين ينقطع به عن عين الثمرة وينتقل إلى ذمة رب المال (1)، لأن الخَرْص يسلطه على التَّصرف في الجَمِيع على ما سيأتي وذلك