أحدهما: لا، لأنه ادعى مُحَالاً في العادة فالظاهر كذبه.
وأصحهما: نعم، وبه قال القَفَّال استنباطاً مما إذا ادعت ذات الإِقْرَاء انقضاء عدّتها قبل زمان الإمكان وكذبناها فأصرت على دعواها حتى جاء زمان الإمكان فإنا نحكم بانقضاء عدتها عند أول زمان الإمكان. وقوله في الكتاب: "وادَّعى كذبه قصداً" معطوف على قوله: "إلا إذا ادعى قدراً لا يمكن الغلط فيه" وهو مستثنى من دعوى الغلط، لكن استثناء الكذب قصداً من الغلط لا يكاد ينتظم فليُؤَوَّلْ والله أعلم.
قال الغزالي: وَمَهْمَا أَصابَ النَّخِيلَ عَطَشٌ يَضُرُّ بِإبْقَاءِ الثِّمَارِ جَازَ للمَالِكِ قَطْعُهُ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ النَّخِيلِ مَنْفَعَةً لِلْمَسَاكِينِ ثُمَّ يُسَلَّمُ إلَى المِسْكينِ عُشْرُ الرُّطَب إِذَا قُلْنَا: القِسْمَةُ إفْرَازُ حَقّ أَوْ ثَمَنُهُ إِذَا مَنَعْنَاهُ القِسْمَةَ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ إِذْ لاَ يَبْعَدُ جَوَازُ القِسْمَةِ لِلحَاجَةِ كمَا لاَ يَبْعَدُ أَخْذُ البَدَلِ لِلْحَاجَةِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنَ الآخَرِ.
قال الرافعي: إذا أصاب النخيل عطش، تركت الثمار عليها إلى وقت الجُذَاذ لأضرت بها لامْتِصَاصها ماءها جاز قطع ما يندفع به الضرر إما كلها أو بعضها؛ لأن إبقاء النَّخِيل أنفع للمالك والمساكين من إبقاء ثمرة العام الوَاحِد وهل يستَقِلُّ المالك بقطعها أو يحتاج إلى اسْتئْذَان الإمام والسّاعي؟
ذكر الصَّيدلاَنِي وصاحب "التهذيب" وطائفة: أنه يستحب الاستئذان، وقضيته جواز الاستقلال، وذكر آخرون: أنه ليس له الاستقلال، ولو قطع من غير اسْتِئْذَان عزِّر إن كان عَالِماً (1)، ويجوز أن يكون هذا الخِلاَف مبنياً على الخِلاَف في وجه تعلُّق الزَّكَاة. إذا عَرفت ذلك فلو أعلم السَّاعي به قبل القطع وأراد المُقَاسَمَة بأن يخرص الثِّمار ويعين حق المساكين في نخله، أو نخلات بأعيانها، فقد حكوا في جوازه قولين مَنْصُوصَيْن، وقالوا: أهما مبنيان على أن القسمة إفراز حق أو بيع؟
إن قلنا: إفراز فيجوز للسَّاعي أن يبيع نصيب المَسَاكين من المالك أو غيره، وأن يقطع ويفرق بينهم يفعل ما فيه الحظ لهم، وإن قلنا: إنه بيع فَلاَ يَجُوز، وعلى هذا الخلاف يخرج القسمة بعد قطعها، فإن جعلناها إفرازاً فيجوز، وإن جعلناها بيعاً فقد ذكر الإمام أن قسمتها تخرج على بيع الرّطب الذي لا يُتَتَمَّر بمثله وفيه خلاف يذكر في البيع، فإن جاز جازت القسمة بالكيل وإن لم يجز ففيه وجهان:
أحدهما: أن مُقَاسمته للساعي جائزة أيضاً؛ لأنها ليست بمعاوضة وإنما هي استيفاء حق، فلا يراعي فيه تعبدات الرِّبا، وأيضاً فإنها وإن كانت بيعاً فإن الحاجة ماسة إلى تجويزها