وعلى التقدير الأول فإما أن يمسك النَّاض إلى أن يتم الحول، أو يشتري به سلعة.
الحالة الأولى: أن يمسك النَّاض إلى تمام الحول، كما إذا اشترى عَرَضًا بمائتي دِرْهَمٍ، وباعه في خلال الحول بثلاثمائة، ويتم الحول وهو في يده، فقد قال الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه- في "باب زكاة التجارة": إنهُ يِزَكِّي المائتين، وَيُفْرِدُ مَائَةَ الرِّبْحِ بِحَوْلٍ، وقال في "باب زكاة مال الْقَرَاضِ" إذا دفع ألف درهم إلى رَجُلِ قراضاً على النِّصْفِ فاشترى بها سلعة وحال الحول عليها وهي تساوي ألفين. ففيها قولان:
أحدهما: أنه يُزَكِّي الكُلَّ.
والثَّانِي: إن رَبَّ المال يُزَكِّي ألْفاً وَخُمْسائة، فأوجب زَكَاةَ جَمِيعِ الرِّبح، أو نصفه عند تَمَامِ الْحَوْلِ، ولم يفرده بحول، واختلف الأصحاب على طريقين:
أظهرهما: وبه قال أبو إسحاق، والأكثرون إن الْمَسْألة على قَوْلَيْن:
أحدهما -وهو اختيار المزني-: أنه يُزَكِّي الرِّبْحِ بِحَوْلِ الأَصْلِ؛ لأنه فائدته، ونماؤه، فأشبه ما إذا لم يرد إلى النضوض، ونتاج الماشية.
وأصحهما: أنه يفرد الرِّبحَ بِحَوْلٍ؛ لظاهر قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ" (1). ويخالف ما إذا لم ينض؛ لأن الربح ثمة كامن وغير متميز عن الأصل، ومتعلق الزَّكَاة واحد، وهو القيمة، ويخالف النّتاج، فإنه متولد من أصل المال، والربح هاهنا غير متولد من غير المال، بل هو مستفاد بالتَّصَرفِ مِنْ كِيسِ المُشْتَرِي، ولهذا لو غَصَبَ مَاشِيَةً فتوالدت، وجب رد النتاج مع الأصل، ولو غصب دراهم فتصرف فيها وربح كان الربح له في أظهر القولين.
والطريق الثاني: وبه قال ابن سريج: القطع بإفراد الرِّبْحِ بِحَوْلٍ، وحمل كلامه في القراض على ما إذا اشْتَرى السلعة بألف، وهي تساوي ألفين، فليس فيها زيادة بعد الشِّراءِ، فلذلك أوجب الزَّكَاة في الرِّبْحِ مَعَ الأَصْلِ.
قال هؤلاء: وهكذا صَوَّرَ الْمَسْألَةَ فِي "الأم"، لكن المُزَنِيّ لم ينقلها عى وَجْهِهَا.
ومنهم من قال: قَصْدُه بما ذَكَر في "مَالِ القَرَاض" بَيَان أن زكاة جميع الرّبح قبل المُقَاسَمة على رب المال أم يتقسط عليه وعلى العامل، فأما أن حول الربح هَلْ هُوَ حول الأَصْل أَمْ لاَ؟ فهذا مما لم يقع مقصداً عنه، ولا يوجه الكلام نحوه، فلا احتجاج فيه على أنه ليس في اللفظ تصوير للرد إلى النضوض، فيجوز حمله على ارتفاع القيمة من غير نضوض.