والثالث: أن ما ناله من غير تَعَبٍ وَمُؤْنَةٍ فيه الخُمُس؛ وما ناله بالتَّعَبِ وَالْمُؤْنَةِ ففيه رُبُع العُشْرِ؛ جمعاً بين الأَخْبَار، وأيضاً فإن الواجب يزداد بقِلَّة المُؤْنَة، وينقص بكثرتها، ألا ترى أن الأمر كذلك في الْمَسْقِيّ بِمَاءِ السَّمَاءِ والمَسْقِي بالنَّضح، وعن مالك روايتان:
إحداهما: كالقول الأول.
وأشهرهما: كالثالث، ثم الذي اعتمده الأكثرون في ضبط الفرق على هذا القول النظر إلى الْحَاجة إلى الطَّحْنِ والمُعَالَجَةِ بالنَّار والاستغناء عنهما فما يحتاج إلى الطَّحن والمعالجة، ففيه ربع العشر، وما يستغنى عنهما، ويؤخذ مجموعاً خَالِصاً ففيه الخُمُس، ولم ينظروا إلى قِلَّةِ الموجُودِ وَكَثْرَتِهِ، وحكى الإمام مع هذا طريقة أخرى وهي عد الاحتفار من جملة العمل المُعْتَبَر، والنظر إلى نسبة النَّيْلِ إلى العمل، أيُّ عَمَلٍ كان من الحُفْر والطَّحْن وغيرهما، فإن لم يعد كثيراً بالإضافة إلى العمل أو مقتصداً، ففيه ربع العشر، وإن عُدَّ كثيراً ففيه الخُمُس.
وأوضحهما بالتَّصْوير فقال: لو استفاد إلى قريب من آخر النَّهَار ديناراً، وبِعَمَلٍ قليل في بقية النهار دِينَاراً ففي الأوَّلِ رُبُع العُشْرِ وَفِي الثَّانِي الخُمُس، ولو عمل طُول الْيَوْم ولم يجد شَيْئاً ثم وجد في آخر النهار دِينارين وكان المعتاد المقتصد في اليوم ديناراً، فينبغي أن يحط ديناراً، فنوجب فيه رُبُع العُشْرِ، وفي الزِّيَادة الخُمُس، ويحتمل أن يقال: فيهما الخمس، والزمان الأول قد حبط، والاحتمال الأول هو الذي أورده المصنف في "الوسيط"، وأستحسن القَفَّالُ ألا يطلق في المسألة ثلاثة أقوال بل يرتب فيقال ما استخرج بتعب ومَؤْنَةٍ فواجبه الخُمُس، أو رُبُع العُشْرِ.
إن قلنا: بالثاني ففيما وجد من غير تَعَبٍ أولى.
وإن قلنا: بالأول ففيه قولان: والفرق ما قد تبين.
الثالثة: يتفرع على الخلاف في قدر الواجب اعتبار النِّصَاب والحول، فإن أوجبنا ربع العشر فلا بد من النِّصَاب كالنَّقْدَين من غَيرِ الْمَعَادِن، وفي الحول قولان:
أصحهما: أنه لاَ يشترط، بل تجب الزَّكاة في الْحَال، كالثِّمَار والزُّرُوع، وبهذا قال مَالِكٌ وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله- وهو المنصوص عليه في أكثر كُتُبِ الشَّافِعِيّ -رضي الله عنه- قديمها وَحَدِيثها.
والثاني: أنه يشترط ولا يجب شيء حَتَّى يتم عليه الحول، كما في النقدين من غير الْمَعَادِن، وهذا القول ينقل عن "مختصر البويطي" إيماء ورواه المزني في "المختصر" عمن يثق به عن الشافعي -رضي الله عنه- واختاره، وذكر بعض الشارحين أن أخته روت له ذلك عن الشَّافعي -رضي الله عنه- فلم يحب تسميتها، وإن أوجبنا الخمس فلا يعتبر الحَوْل، وفي النِّصَاب قولان: