المُوصَى لَهُ بالرقبة بلا خِلاَفٍ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، أو على الموصى له بالمنفعة، أو في بيت المال، فيه ثلاثة أوجه: فعلى غير الوَجْهِ الأَوَّلِ المسألة من مَسَائِلِ المفارقة.
ومنها: عَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ، والعبد المَوْقُوف على المَسْجِد في فطرتهما وجهان حُكِيا عن "البحر". الأظهر: وبه أجاب في "التهذيب": أنها لا تجب.
والعبد المَوْقُوف على رجل معين، ذكر في "العدة": أن فطرته تبنى على أن الملك فيه. إن قلنا: إن الملك للموقوف عليه؛ فَعَلَيْهِ فِطْرته. وإن قلنا: لله تعالى فوجهان ونفى صاحب "التهذيب" في "باب الوقف" وجوب فِطْرَتِهِ على الأقوال كُلَّها؛ لأنه ليس فيه ملك محقق، والأول أشهر، ونفقة هؤلاء وَاجِبَةٌ لاَ مَحَالَةَ.
قال الغزالي: (الطَّرَفُ الثَّاني) فِي صِفَاتِ المُؤَدِّي، وَهِيَ الإِسْلاَمُ وَالحُرِيَّةُ وَاليَسَارُ، فَلاَ زَكَاةَ علَى كَافِرٍ إلاَّ فِي عَبْدِهِ (ح) المُسْلِمِ علَى قَوْلنَا: إِنَّ المُؤَدَّى عَنْهُ أَصْلٌ وَالمُؤَدِّي مُتَحَمِّلٌ عَنْهُ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَى رَقِيق وَلاَ مُكَاتَبٍ (و) فِي نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَلاَ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ زَكَاةُ المُكاتَبِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهِ، تَجِبُ فِي مَالِ المُكَاتَبِ، وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ.
قال الرافعي: اعتبر في مؤدى الفطرة ثلاثة أمور:
الأول: الإسْلاَم.
فلا فطرة على كافر عن نفسه؛ لأنه ليس له أهلية التَّطْهِير، ولا أهْلِيَّة إقامة العِبَادَات ولا عن غيره إلا إذا ملك الكافر عبداً مُسْلِماً، أو كان لَهُ قَرِيبٌ مُسْلِم، ففيه وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أن من يؤدي عنه الفطرة أصيل، يتحمل عنه، أو الوجوب المؤدي ابتداء. إحداهما -وبه قَالَ أَبُو حَنيفَةَ -رحمه الله-: أنها لا تَجِب.
والثاني -وبه قال أحْمَدُ-: تجب، ويتصور ملك الكافر العبد المسلم، بأن يسلم العبد في يَدِهِ، أو يرثه أو يَشْتَريه عَلَى قَوْلِ صِحَّةِ الشِّرَاءِ ويهل شوال هلاله قَبْلَ أَنْ نُزِيلَ المِلْكَ عَنْه. ومستولدته التي أسْلَمَت فِيهَا الوَجْهَان فإن قلنا: بالوجوب فقد قَالَ الإمَام: صَائِرٌ إلى أن المَتَحَمل عنه يَنْوي، والكافر لا تصح منه النية، وذلك يدل على استقلال الزَّكاة بِمَعْنَى المُوَاسَاة، ولو أسلمت ذِمِّيَّةٌ تحت ذِمِّي، واستهل الهِلاَل فِي تَخَلُّف الزَّوْجِ، أَسْلَمَ قَبْلَ انقضاءِ العِدَّة ففي وجوب نَفَقَتِهَا مُدَّة التَّخَلُّف؛ خلافٌ يأتي في مَوْضِعِهِ، فإن لم نُوجِبْهَا لَمْ نُوجب الفِطْرة وإن أوجبناها فَالْفِطْرَة عَلَى الخِلاَفِ المَذْكُورِ فِي وُجُوبِ فِطْرَةِ عَبْدِهِ المُسْلِمِ. وقوله في الكتاب: (إلا في عبده المسلم)، ليكُنْ مُعَلَّماً بالحاء؛ لما نقلناه عن مذهب أبي حنيفة، ثم ظاهره يقتضي الجزم ينفي الوجوب في القريب المسلم، وفي مسألة إسْلاَم الذِّمِّيَّةِ؛ لأنه حصر الاستثناء في العبد، وكل ذلك على الخلاف، نَصَّ عليه الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ وَغَيْرُهُ.