القَفَّالِ -رحمهما الله- وتَوَسَّطَ بَعْضُ مُتَأخِّرِي الأَصْحَاب، فقال: إن وَصَلَ إلى ما وَرَاء الحَشَفَةِ أفْطَر، وإلا لم يفطر تشبيهاً بِالفَمِ والحَلْقِ.
السَّادِسَة: لا يفسد الصَّومُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامة، لكن يكره خِيفَة الضَّعْفِ.
وقال أحمد: يفسد بالحِجَامة.
وبه قال ابن المنذر وابْن خُزَيمَة مِنْ أَصْحَابِنَا.
لَنَا: ما روي: "أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- احْتَجَمَ، وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ" (1).
وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلاَثْ لاَ يُفْطِرنَ الصَّائِمَ القَيْءُ وَالْحَجَامَةُ وَالاحْتِلاَمَ" (2).
وأما لفظ الكتاب، فقوله: (وهو الداخل) هو المستقيم وفي كثير من النسخ (وحد الدخول)، وذلك يحوج إلى إلحاق وإضْمَار.
وقوله: (فيه قوة محيلة) يجوز إعْلاَمُه بالواو، إشارةً إلى الوجه المكتفي يكون البَاطِن الوَاصِل إليه جوفاً، حتى لو داوى خراجه على لَحْمِ السَّاقِ، والفخذ فأوصل الدَّواء إلى دَاخِلِ اللَّحْمِ، أو غرز فيه حديدة لا يبطل صومه؛ لأنه ليس بجوف، وكذا لو انتهى طرف السِّكين إلىَ مَكَانِ المُخّ، فإنه لا يعد عضواً مجوفاً.
وقوله: و (المثانة) مُعَلَّمٌ بِالحَاءِ، والْوَاوِ، و (الحقنة، والسعوط) والاكتحال بالميم والألف، و (التقطير في الأذن) بالواو و (الحجامة) بالألف، والواو، وقد بَيَّنَّا وجه ذلك كله، -والله تعالى أعلم-.
قال الغزالي: وَلاَ بَتَشَرُّبِ الدِّمَاغِ الدُّهْنِ (ح) بِالمَسَامّ، وَيُفْطِرُ إِذَا وُجِئَ بَطْنُهُ بِالسِّكِّينِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ السِّكّينِ خَارِجاً.
قال الرافعي: من القيود المذكورة في الضَّابِط كون الوَاصِل، وَاصلاً من منفذ مفتوح، والقصد به الاحتراز عما إذا طلى رأسه، أو بطنه بالدّهن فوصل إلى جَوْفِهِ بتشرب المسام، فإن ذلك لا يبطل الصَّوم؛ لأنه لم يَصِل من مَنفَذٍ مَفْتُوحٍ، كما لا يبطله الاغتسال والانغماس في الماء، وإن وجد له أثر في بَاطِنِهِ، ولو وجأ نفسه، فَوَصَل السِّكين إلَى جَوْفِهِ، أو وَجَأَه غَيْرُه بِإِذْنِهِ أَفطر، سواء كان بعض السكين خارجاً، أو لم يكن، وكذا لو ابتلع طرف خَيْطٍ، وطرفه الآخر بَارِز يفطر بوصول الطَّرف لوَاصِل، ولا يعتبر الانفصال من الظَّاهِرِ بِالكُلِّيَّةِ.