استقاء أفطر، وإن خرج بغير اختياره فلا، ولو اقتلع نخامه من بَاطِنِهِ ولفظها، فقد حكى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فيه وجهين:
أحدهما: أنه يفطر به، إلحاقاً له بالاستقاءة.
والثاني: لا، لأن الحَاجَة إليه مما تَكْثُر، فَلْيُرَخَّص فِيهِ، وَبِهَذَا أجاب الحَنَّاطِيّ، وكثير من الأَئِمَّة ولم يذكروا غيره، ثم ذكر صاحب الكتاب أن مخرج "الحاء" من البَاطِن، ومخرج "الخَاءِ" من الظَّاهِر، ووجهه لاَئِح، فإن "الحاء" تَخْرُج من الحَلْقِ، والحَلْقُ من الباطن، و"الخاء" تخرج مما قبل الغَلْصَمه إلا أن المقصد في مثل هذا المقام الضابط الفارق بين الحدَّيْنِ، ويشبه أن يكون قدر مما بعد مخرج الخاء من الظَّاهرِ أيضاً، والله أعلم.
السادسة: ذكرنا من قبل أنه لو أُوجِرَ مكرهاً لَمْ يفطر، فلو أكره حَتَّى أكل بنفسه ففيه قولان.
أحدهما: وبه قال أحمد: لا يفطر، لأن حكم اختياره ساقط، وأكله ليس منهياً عنه، فأشبه النَّاس.
والثاني: وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-: أنه يفطر، لأنه أتى بضد الصَّوْم ذَاكِراً له، غايته أنه أتى به لدفع الضَّرر عن نفسه، لكنه لا أثر له في دفع الفِطْر، كما لو أَكلَ أو شرب لدفع الجوع، أو العَطَشِ، وهذا أَصَحُّ عِنْد صَاحِب الْكِتَابِ، ويجري القَوْلاَن فيما لو أكرهت المرأة حتى مكنت، وكذلك فيما إذا أُكْرِه الرَّجُل حَتَّى وَطِئ. إن قلنا بتصور الإكراه على الوطء. نعم، لا تجب الكفارة، وإن حَكَمْنَا بالإفْطَار للشُّبْهَة. وإن قلنا: لا يتصور الإكراه على الوطء بَطَلَ صَومه، ولَزِمَه الكَفَّارة.
وعثد أحمد: يحصل الإفطار بالوَطْءِ مكرهاً، بخلاف مَا قَال في الأكل.
وقوله: (وفي فساد القصد شرعاً) أشار به إلى أن قيد القصد لا بد منه على ما ذكرناه في الضابط والقصد من حيث الحس موجودٌ في حَقِّ المُكْرَه، ولكن في إِلْحَاقِهِ بالعَدَمِ شَرْعاً، وإفساده الخلاف المَذْكُور. وقوله: (لأنه ليس بصائم) معناه أن الإكراه إنما يؤثر في دَفْع الإثم على ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رُفِعَ عَنْ أمَّتِي الْخَطَأ، والنِّسْيَانُ" (1) الخبر، وحصول الفِطْر لا يتعلق به إثم.