وأصحهما: لا، كالزَّكَوات، وَسَائِرِ الكَفَّارَاتِ.
وأما الحديث فلا نسلم أن الَّذِي أمره بصَرْفِهِ إلى الأَهْلِ والعِيَال كَانَ كَفَّارة، وهذا لأنه يحتمل أنه لم يملكه ذلك، وإنما أراد أن يملكه لِيُكَفِّر، فلما أخبره بحاجته صَرَفَهُ إليه صدقة، ويحتمل أنه مَلَّكَهُ وأمره بالتَّصَدُّق به، فلما أخبره بحاجته أَذِنَ في أَكْلِهِ وإطعامه عِيَاله ليبين أن الكفارة إنما تجب إذا فضل عن الكفاية، وإن سلمنا أنه كان كفارة ولكن يحتمل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تَطَوَّع بالتكفير عنه، فسوغ له صرفه إلى الأهْلِ والعيال، فيكون فائدة الخبر أنه يجوز للغيفر التَّطَوع بالكَفَّارة عن الغير بإذنه، وأنه يجوز للمتطوع صَرْفُه إلى أَهْلِ المكفر عنه وَعِيَاله، وهذه الاحتمالات بأسرها منقوله عن "الأم".
الرابعة: إذا عجز عن جميع الخِصَال فهل تستقر الكفارة في ذمته؟ قال الأصحاب: الحقوق المالية الواجبة لِلَّه تنقسم إلى مَا تَجِب لاَ بِسَبَبٍ يباشره العبد، وإلى ما تجب بسبب يباشره، فالأول كزكاة الفِطْر إن كان قادراً وَقْتَ وُجُوبِهَا وجبت، وإلا لم تستقر في ذمته إلى أن يقدر.
والثاني: على ضربين: ما يجب على وجه البَدَل، كجزاء الصَّيد فإن كان قادراً عليه فذاك، وإلاّ ثبت في ذِمَّتِهِ إلى أن يقدر تَغْلِيباً لمعنى الغرامة، وما يجب لا على وَجْهِ البَدَل ككفارة الوقَاع واليَمِين والقَتْلِ والظِّهار ففيها قولان:
أحدهما: أنها تَسْقُط عند العَجْزِ، كَزَكَاةِ الفِطْرِ، وبه قال أحمد:
وأصحهما: أنها لا تسقط كَجَزاء الصَّيْدِ، فعلى هذا مَتَى قدر على إحدَى الخِصَال لزمته. واحتج للقول الأول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- "لَمَّا أَمَرَ الأَعْرَابِيَّ بِأَنْ يُطْعِمَهُ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ لَمْ يَأمُرُهُ بِالإخْرَاجِ فِي ثَانِي الْحَالِ" (1)، ولو وجب ذلك لأشبه أن يبين له.
ولمن رجح الثاني أن يقول: لم قلت: إن المصرف إلى الأهل والعِيال لم يقع تَكْفِيراً، فإنا روينا وجهاً مجوزاً له عِنْدَ الفقر إن سلمنا ذلك، ولكن يحتمل أن يكون الغرض باقياً في ذمته ولم يبين له ذلك؛ لأن حاجته إلى معرفة الوُجوب إنما تمس عند القدرة، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة، وهذا الذي ذَكَرْنَاه يوقفك على أنه لا يمكن الاستدلال بخبر الأعرابي في هذه الصورة، والتي قبلها على الجَمْعِ، وإنما يمكن الاستدلال به في إحداهما؛ لأن المأمور بصرفه إلى الأهل والعيال إما أن يكون كفارة أو لا يكون. إن كان لم يصح الاستدلال به في هذه الصورة.
وإن لم يكن لم يصح في الصورة السابقة.