سَنَتَيْنِ" (1). وهذا الاستحباب في حق غير الحجيج. فأما الحجيج فينبغي لهم أَلاَّ يَصُوموا، كي لا يَضْعُفُوا عن الدُّعاء وأعمالِ الحج، ولم يصمه النبي -صلى الله عليه وسلم- "عرفة"، وأطلق كَثِيرٌ من الأئمة كونه مكروهاً؛ لما روي: أنه -صلى الله عليه وسلم- "نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْم عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ" (2). فإن كان الشخص بحيث لا يضعف بسبب الصَّوْمِ فقد قال أبو سَعْدٍ المتولي الأول: أن يصوم حيازة للفَضِيلَتَينِ، ونسب غيره هذا إلى مذهَب أبي حنيفة -رحمه الله- وقال: الأولى عندنا ألا يَصُومَ بِحَالِ (3).
ومنه يوم عَاشُوراء روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَة" (4). ويوم عَاشُوراء هو العاشر من المحرم، وَيُسْتَحب أن يَصُومَ معه تَاسُوعاء، وهو التاسع منه، لِما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ، لأَصُومَنَّ الْيَوْمَ التَّاسِعَ" (5).
وفيه معنيان منقولان عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
أحدهما: الاحتياط فإنه ربما يقع في الهِلاَل غلط (6)، فيظن العَاشِر التَّاسع.
والثاني: مخالفة اليهود، فإنهم لا يصومون إلا يوماً واحداً، فعلى هذا لَوْ لَمْ يصم التاسع معه استحب أن يصوم الحَادِي عشر. ومنه ستة أيام مِنْ شَوَّالٍ، يستحب صَوْمُها.
وبه قال أبو حنيفة، وأحمد -رحمهما الله-؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّال، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ" (7).
وعن مالك: أن صومَها مكروهٌ، والأفضل أن يصومها متتابعةً وعلى الاتصال، ليوم العيد مبادرة إلى العبادة، وإياه عني بقوله: (بعد عيد رمضان).
وعن أبي حنيفة -رحمه الله- أن الأفضل أن يفرقها في الشَّهر.
وأما القسم الثاني فمنه أيام البيض، وهي الثَّالِث عشر، والرابع عشر والخامس