خرج من المَسْجِدِ انقطع هذا الشَّرْط، فإذاً الخروج من المسجد داخل في انقطاع شُروط الاعتكاف، وقضية العَطْفِ ألا يدخل أحدهما في الآخر.
الأمر الثاني: الخروج بِكُلِّ البَدَنِ عَنْ كُلِّ المَسْجِدِ بغير عُذْرٍ، وفيه ثلاثة قيود:
أحدها: كَوْنُ الخُرُوجِ بكل البَدَنِ والقصد به الاحتراز عما إذا أخرج يده، أو رأسه فلا يبطل اعتكافه؛ واحتجوا له بما روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يُدْنِي رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا فَتُرَجّلَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ وَهُوَ فَي المَسْجِدِ" (1). ولو أخرج إحدى رِجْلَيْهِ أو كِليْهِمَا وهو قاعدها مادَّهما فكذلك، وإن اعتمد عليهما فهو خارج.
الثاني: كون الخروج عَنْ كُلِّ المسجد والقصد به الاحتراز عما إذا صعد المنار للأذان وللمنارة حالتان:
إحداهما: أن يكون بابها في المَسْجِد، أو في رحبته المتصلة به فلا بأس بِصُعُودِهَا للأذان وغيره كصعود سطح المسجد ودخول بيت منه؛ ولا فرق بين أن يكون في نَفْسِ المَسْجِدِ أو الرحبة؛ وبين أن تكون خارجة عن السمت البِنَاء وتربيعه، وأبدى الإمام -رحمه الله- احْتِمَالاً فيما إذا كانت خارجةً عن السمت قال: لأنها حينئذ لا تُعَدُّ مِنَ المَسْجِدِ، ولا يصح الاعتكاف فيها، وكلام الأئمة يُنَازع فيما وجه به الاحتمال.
والثانية: إلاَّ يكون بابها في المَسْجِدِ ولا في رحبته المُتَّصِلة به فهل يبطل اعتكاف المؤذن الرَّاتب بصعودها للأذان؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، لأنه لا ضرورة إليه لإمكان الأذان على سَطْح المَسْجِدِ، فصار كما لو صعدها لغير الأذان، أو خرج إلى الأمير أو غيره ليعلمه بالصَّلاَةَ.
والثاني: لا؛ لمعنيين.
أحدهما: أنها مبنيةٌ لِلْمَسْجِد معدودةٌ من توابعه.
والثاني: أنه قد اعتاد صعودها للأذان والناس اسْتَأنَسُوا بصوته فيعذر فيه، ويجعل زمان الأذان مَسْتَثنىً عن اعتكافه، وهذا أوضح المعنيين؛ لأن المنارة وإن كانت معدودة من توابع المسجد فهو إلى أن يصل إليها مُنْفَصِل عن المسجد، ولو خرج إليها غير المؤذن الرَّاتب للأذان رتب حكمه على الرَّاتب إن أبطلنا اعتكافه به فهاهنا أولى، وإلا فيبنى على المعنيين. إن قلنا بالثَّاني بطل وإن قلنا بالأول فلا، وإذا تركت الترتيب أطلقت ثلاثة أوجه كما في الكتاب.