الأَوَّلُ جَوَازُ الاسْتتَابَةِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ لِلْعَاجِزِ عَنِ المُبَاشَرَة بالمَوْتِ أَوْ بِزَمَانَةٍ (م) لاَ يُرْجَى زَوَالُهَا، وَإنَّمَا يَجُوزُ في حَجَّة الإسْلاَمِ إذَا وَجَبَ بالاسْتِطَاعَةَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الوُجُوبِ أَو امْتَنَعَ الوُجُوبُ لِعَدَمِ الاسْتِطَاعَةِ، وَفِي الاسْتِئْجَار لِلتَّطَوُعِ قَوْلاَن.
قال الرافعي: قد مر أن الاستطاعة نوعان: استطاعةُ مُبَاشَرة، واستطاعة استنابة، وحصل الفراغ عن أولهما وأما الثاني: فتمس الحاجة فيه إلى بيان أنه متى تجوز الاستنابة؟ ومتى تجب؟ ثم هي قد تكون بطريق الاستئجار، وقد تكون بغيره، فهذه أربعة أطراف، وقد تكلم فيها جميعاً لكن اختصر على ترجمة ثلاثة منها الجواز والوجوب والاستئجار. وأما الاستنابة بغير طريق الاستئجار فقد أدرج مَسَائِلَها في الطرف الثاني.
الأول: في حال جواز الاستنابة.
لا يخفى أن العبادات بعيدة عن قبول النيابة، لكن احتمل في الحج أن يحج الشَّخْصُ عن غيره إذا كان المحجوج عنه عاجزاً عن الحَجِّ بنفسه إما بسبب الموتَ وإمَّا بكبر أو زَمَانَة أو مَرَض لا يُرْجَى زوالةُ. أما بسب الموت فلما روى عن بريدة قال "أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ، فَقَالَ حجِّي عَنْ أُمِّك" (1).
وأما بالكِبَر ونحوه فلما روى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخاً كَبِيراً لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفأَحجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ" (2).
ويروي "كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ" (3).
والمعتبر أن لا يثبت على الرَّاحِلَةِ أصْلاً أو لا يثبت إلا بمَشَقَّةِ شَدِيدَةٍ، فالمقطوع اليدين أو الرجلين إذا أمكنه الثبوت على الرَّاحِلَة من غير مَشَقَّةِ شديدةٍ لا تجوز النيابة عنه، وكذا لا تجوز النيابة عمن لا يثبت على الرَّاحِلَة لمرض يَرْجُو زوالَه فإنه يتوقع مباشرتُه له، وكذا من وَجَبَ عليه الحَجُّ ثم جُنَّ لم يكن للولي أن ينيب عنه؛ لأنه رُبَّما يفيق فَيَحُجُّ بنفسه، فإن أنساب عنه ومات ولم يفق ففي إجزائه قولان كما لو استناب من يرجو زوال مرضه فَلَمْ يَزُل، وهذا كلّه في حَجَّة الإسْلام، وفي معناها حجة النَّذْرِ، حكى ذلك عن نصه، ويلحق بهما القضاء.