كَانَ عَلَى أُخْتِكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قاضيه؟ قال: نعم، قَالَ: فَاقْضُوا حَقَّ اللهِ -تَعَالَى- فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ" (1).
ويستوي في الحَجِّ عن الميت الوارث والأَجْنَبِي تشبيهاً بقضاء الدَّيْنِ.
قال الغزالي: الطَّرَفُ الثَّانِي فِي وُجُوب الاسْتِنَابةِ وَذَلِكَ عِنْدَ القُدْرَةِ عَلَيْهَا مِنَ المُكَلَّفِ الحُرِّ بِمَالِ يَمْلكُهُ فَاضِلاً عَنْ حَاجَتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَافِيًا بِأُجْرَةِ الأجِيرِ رَاكباً، فَإنْ لَمْ يَجِدْ إلاَّ مَاشِياً لَمْ يَلْزَمْهُ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ الخَطَرِ عَلَى المَال.
قال الرافعي: قصد بهذا الطرف بيان أن الاستنابة متى تجب على المَعْضُوب.
فأما وجُوبُ الإِحْجَاج عن الميت الذي وجب عليه الحَجُّ فقد تَعَرَّضَ له في كتاب الوصية، والمعضوب تلزمه الاستنابة في الجُمْلَةِ، ولا فرق بين أن يطرأ العَضَبُ بعد الوُجوبِ وبين أن يبلغ معضوباً واجداً لِلْمَال، وبه قال أحمد.
وعند مالك لا استنابة على المعْضُوب بِحَالٍ، لأنه لا نيابة عن الحَيِّ عنده، ولا حج على من لا يستطيعه بنفسه.
وعن أبي حنيفة: أنه لا حَجّ على المعضوب ابتداء لكن لو طَرَأَ العَضَبُ بعد الوُجوبِ لم يَسْقُط، وعليه أن ينفق عَلَى مَن يَحُجَّ عنه.
إذا تقرر ذلك فلوجوب الاستنابة عن المعضوب طريقان يشتمل هذا الفَصْلُ على أَحَدِهِمَا وهو أن يجد مالاً يستأجر به من يَحُجَّ، والشرط أن يكون فاضلاً عن الحَاجَاتِ المذكورة فِيمَا لَوْ كَانَ يحج بِنَفْسِهِ إلا أنا اعتبرنا ثَمَّ أن يكون المَصْرُوف إلى الزَّادِ والرَّاحِلَةِ فاضلاً عن نفقة عِيَالِهِ إلى الإِيَابِ، وهاهنا يعتبر أن يكون فاضلاً عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار، ولا يعتبر بعد فَرَاغِ الأَجِير من الحَجِّ إلى إيابه، وهل تعتبر مُدَّةُ الذِّهَابِ حكى صاحب "التهذيب" -رحمه الله- فيه وجهين:
أصحهما: إنها لا تُعْتَبر.
بِخِلافَ ما لو كان يَحُجُّ بنفسه فإنه إذا لم يفارق أهله يمكنه تحصيل نفقتهم.
قال الإمام: وهو كما في الفطرة لا يعتبر فيها إلا نفقة اليَوْم، وكذلك في الكَفَّارَات المُرَتَّبَةِ إذا لم نشترط تَخْلِيف رأس المَالِ، ثم إن وَفَّى ما يجده بأجْرَة أَجِيرٍ رَاكبٍ فذاك، وإن لم يَجِدْ إلا أجرة مَاشٍ ففي لزوم الاستئجار وجهان:
أصحهما: يلزم بخلاف ما لو كان يَحُجُّ بنَفْسِهِ، لا يكلف المشي؛ لما فيه من المَشَقَّة ولا مشقة عليه في المشي الذي تَحَمَّلَهُ الأَجِيرُ.