قال الغزالي: الثَّانِيَةُ التَّطَيّبُ لِلإحْرَامِ وَلاَ بَأْسَ بِطِيبِ لَهُ جَرْمٌ (ح). وَفِي تَطْيِيبِ ثَوْبِ الإحْرَامِ قَصْداً لَهُ خِلاَفٌ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَنْزِعُ فَيَكُون عِنْدَ اللّبْسِ كَالْمُسْتَأْنِفِ، فَإِنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ، وَيُسْتَحَبُّ خِضَابُ المَرْأَةِ تَعْمِيماً لِليَدِ لاَ تَظْرِيفاً.
قال الرافعي: يستحب أن يتطيب لإحرامه، لما روي عن عَائِشَة -رضي الله عنها- قالت: "كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لإحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلحَلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ" (1).
ولا فرق بين ما يبقى له أثر وَجُرْمٌ بعد الإحْرَام وبين مَا لاَ يبقى.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ مِنْ مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُحْرِمٌ" (2).
ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب: (الثانية التطيب للإحرام) بالواو؛ لأن من الأصْحَاب من روى وجهاً: أنه ليس من السُّنَنِ والمحبوبات، وإنما هو مُبَاح، وأيضاً فإن اللفظ مُطْلَقٌ لا يفرق بين الرِّجَال والنساء، والاستحباب شامل للمصنفين في ظَاهِر المذهب، وحكى في "المعتمد" قولاً عن نقل الدَّاركي: أنه لا يستحب لهن التطيب بِحَالٍ، ووجهًا: أنه لا يجوز لهن التطيبِ بطيبٍ تَبْقَى عَيْنُه، أعلم قوله: (ولا بأس بطيب له جرم) -بالحاء وبالميم-.
وأما بالحاء فلأن شِرْذِمَةٌ روت عن أبي حنيفة -رحمه الله- المنع من ذلك، ومنهم المصنف، ذكره في "الوسيط"، لكن الثابت عنه مثل مذهبنا.
وأما بالميم فلأن عند مالك يكره له التطيب بما تبقى رَائِحَتُه بَعْدَ الإِحْرَامِ، ويروى عنه مَنْعُ التطيب مطلقاً ثم إذَا تطيب لإحرامه فلَه أن يستديم بعد الإحْرَام ما تطيب له، بخلاف ما إذا تَطَيَّبَتِ المَرْأَةُ ثم لزمتها العِدَّة يلزمها إزالته فِي وَجْهٍ؛ لأن في العِدَّة حق الآدمي فتكون المضايقة فيها أكثر، ولو أخذه من مَوْضِعِهِ بعد الإحرام ورده إليه أو إلى موضع آخَر لزمته الفدية، وروى الحَنَّاطِيُّ -رحمه الله- فيه قولين، ولو انتقل من موضعٍ إلى موضع بإسالة العَرَق إياه فوجهان: