فإن قلت: نمرة التي ذكرتم النزول بها هل هي من حَدِّ عَرَفَة أَمْ لا؟ وهل الخطبتان والصَّلاتَانِ بها أم بموضع آخر؟ قلنا: أما الأول: فإن صَاحِب "الشامل" وطائفة قالوا بأن نَمِرَةَ (1) موضعٌ من عَرَفَاتٍ، لكن الأكثرين نَفوا كونها من عَرَفَاتٍ. ومنهم أبُو القَاسِم الكَرَخِي، والقَاضِي الرّوَياني، وصاحب "التهذيب" وقالوا: إنها موضعٌ قريبٌ مِنْ عَرَفَةَ.
وأما الثَّانِي فإيراد موردين يشعر بأن الخطبتين والصلاتين بها، لكن رواية الجمهور أنهم ينزلون بها حَتَّى تَزُولُ الشَّمْسُ، فإذا زالت ذَهَبَ الإِمَامُ بهم إلى مَسْجِدِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وخَطَبَ وَصلَّى فيه، ثم بعد الفراغ من الصّلاة يتوجهون إلى الموقف، وهل المَسْجِدُ مِنْ عَرَفَةَ؟ سنذكره من بعد. وإذا لم تُعَدّ البقعة من عرفة فحيث أطلقنا أنهم يجمعون بين الصَّلاتَين بعرفة عَنَيْنَا به المَوْضِعَ القَرِيبَ مِنْهَا.
واعلم أنه يسن في الحَجِّ أربع خطب:
إحداها: بمكة في المَسْجِدِ الحرام اليوم السَّابع من ذِي الحَجّة.
والثانية: بعرفة، وقد ذكرناهما.
والثالثة: يوم النحر.
والرابعة: يوم النَّفْرِ الأَوَّل، ويخبرهم في كل خطبة عما بين أيديهم من المَنَاسِكِ وأحكامها إلى الخُطْبَة الأُخْرَى، وَكُلُّهَا أَفْرَاد، وبعد الصلاة إلا يَوْمَ عَرَفَةَ، فإنه يخطب خُطْبَتَيْنِ قَبْلَ الصَّلاَةِ.
وقوله في الكتاب: (ويبيت ليلة عرفة بمنىً، ثم يخطب بعد الزوال لعرفة) معناه: أنه يغدو منها إلى عَرَفاتٍ ويخطب، ولفظ الكتاب يقتضي كون الموضع الذي يخطب فيه من عَرَفَة، وفيه ما قد عرفته.
وقوله: (خطبة خفيفة) إنما ذكر ذلك لأن المستحب فيها الخِفَّة أيضاً، وإن لم تبلِغ خفتها خِفَّة الثَّانِية؛ لما روي أن سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ للحجاج: "وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ فَاقْتَصِرْ الخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا صَدَقَ" (2).