الثانية: طواف الوَدَاع ينبغي أن يقع بعد جَمِيع الأَشْغَالِ ويعقبه الخروج من غَيْرِ مُكْثٍ، فَإِنْ مَكَثَ نظر إن كَان لِغَيْرِ عُذر أو اشتغل بِغَيْرِ أسباب الخُروج من شراء مَتَاعٍ أو قَضَاءِ دَيْنِ أو زيارة صَدِيقٍ أو عيادَةِ مَرِيضٍ فعليه إِعَادة الطَّوَافِ خلافاً لَأبي حنيفة -رحمه الله- حيث قال: لا حاجة إلى الإِعَادة، وإن أقام بها شهراً أو أكثر، وإن اشتغل بأسباب الخروج من شراء الزَّادِ وَشَدِّ الرَّحْلِ ونحوهما فقد نقل الإمام فيه وجهين:
أحدهما: أنه يحتاج إلى الإِعَادة ليكون آخر عَهْدِهِ بالبيت.
وأصحهما: وبه أجاب المعظم أنه لا يحتاج؛ لأن المشغول بأسْبَابِ الخُرُوجِ مَشْغُولٌ بالخُروجِ غَيْر مُقِيم.
الثالثة: طواف الوَدَاع واجبٌ (1) مَجْبُورٌ بِالدَّمِ أو مستحب غَيْر مَجْبُورٍ؟ فيه قولان كالقولين في الجَمْع بين اللَّيْلِ والنَّهَارِ بعرفة وأخوات تلك المَسْألَة ووجه الوجوب، وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَنْصَرِفَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْت" (2) وهذا أصح على ما قاله صاحب "التهذيب" و"العدة".
ووجه المنع وبه قال مالك أنه لو كان واجباً لوجب على الحائض جبره بالدم؛ لأن المعذور يَفتدى عن الوَاجِبَاتِ، واحتج لهذا القول أيضاً بأن طواف القدوم لا يجب جَبْرُه بالدَّم، فكذلك طَواف الوَدَاعِ لكن عن صاحب "التقريب" إلحاق طواف القدوم بطواف الوَدَاع في وجوب الجَبْرِ، وعلى التسليم بالفَرْقِ أن طواف القُدومِ تحية البقعة وليس مقصوداً في نفسه. ألا ترى أنه يدخل في طَوافِ العُمْرَةِ وطواف الوَدَاعِ مقصود في نفسه ولذلك لا يدخل تحت طواف آخر.
وقوله في الكتاب: (وفي كونه مجبوراً بالدم قولان، أي على سبيل الوجوب، إذ لا خلاف في أصْلِ الجبر، فإته مستحب إن لَمْ يَكُنْ وَاجِباً، ويجوز إعلامه بالواو، لأن القاضي ابْنَ كَجٍّ روى طريقة قاطعة بنفي الوجوب.
الرابعة: إذا خرج من غير وَدَاعٍ وقلنا: بوجوب الدم ثم عَادَ وَطَافَ فلا يخلو إما أن يعود قبل الانتهاء إلى مسافة القصر أو بعده، فأما في الحالة الأولى فيسقط عنه الدَّم، كما لو جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه، وفي الحالة الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ.
أصحهما: أنه لا يسقط استقراره بالسَّفَرِ الطَّوِيلِ ووقوع الطَّوَافِ بَعْدَ العَود حَقّاً للخُرُوج الثَّانِي.