ولو تبايع صِبيَّان وتقابضا، فأتلف كل واحد منهما ما قبضه نظر، إن جرى ذلك بإذن الوليين فالضمان عليهما، وإلاَّ فلا ضمان عليهما، وعلى الصبيينِّ الضمان؛ لأن تسليمهما لا يعدُّ تسليطاً وتضييعاً، ثم في الفصل مسألتان:
إحداهما: كما لا ينفذ بيع الصبي وشراؤه، لا ينفذ نكاحه وسائر تصرفاته، نعم في تَدْبير المميّز ووصيته خلاف مذكور في "الوَصَايا"، وإذا فتح الباب وأخبر عن إذن أهل الدار في الدخول، أو أوصل هدية إلى إنسان وأخبر عن إهداء مهديها، فهل يجوز الاعتماد عليه؟ نظر إن انضمت إليه قرائن أورثت العلم بحقيقة الحال، جاز الدخول والقبول، وهو في الحقيقة عمل بالعلم لا يقوله وإن لم تنضم، نظر إن كان كلاماً غير مأمون القول فلا يعتمد، وإلا فطريقان:
أحدهما: تخريجه على وجهين ذكراً في قبول روايته.
وأصحهما: القطع بالاعتماد تمسكاً بعادة السلف، فإنهم كانوا يعتمدون أمثال ذلك ولا يضيقون فيها.
وقوله في الكتاب: "على الأصح في هاتين الصورتين" يجوز أن يريد به من الوجهين جواباً على الطريق الأول، ويجوز أن يريد من الطريقين ذهاباً إلى الثاني.
الثانية: كما لا تصح تصرُّفَاته اللَّفظية لا يصح قبضه في تلك التصرفات، فإن للقبض من التأثير ما ليس للعقد، فلا يفيد قبضة الموهوب الملك له، وإن اتّهب له الولي ولا لغيره إذا أمره الموهوب منه بالقبض له، ولو قال مستحق الدين لمن عليه الدين: "سلّمْ حقّي إلى هذا الصبي" فسلم قدر حقه لم يبرأ عن الدَّين، وكان ما سلمه باقياً على ملكه، حتى لو ضاع منه فلا ضمان على الصَّبي، لأن المالك ضيَّعه حيث سلمه إليه، وإنما بقي الدَّين بحاله؛ لأن الدَّين مرسل في الذِّمة لا يتعيَّن إلا بقبض صحيح، فإذا لم يصح القبض لم يزل الحق المطلق عن الذمة، كما إذا قال لمن عليه الدَّين: "أَلْقِ حقي في البحر" فألقى قدر حقه لا يبرأ، ويخالف ما إذا قال مالك الوديعة للمودع: "سلّم مالي إلى هذا الصبي" فسلم خرج عن العهدة؛ لأنه امتثل أمره في حقه المتعيّن، كما لو قال: "أَلْقِها في البحر" فامتثل، ولو كانت الوديعة لصبي فسلَّمها إليه ضمن سواء كان بإذن الولي أو دون إذنه، إذ ليس له تضييعُها وإن أمره الولِيُّ به.
قال الغزالي: أَمَّا إِسْلاَم العَاقِدِ فَلاَ يُشْتَرَط إِلاَّ إِسْلاَمُ المُشْتَرِي في شِرَاءِ العَبْدِ المُسْلِمِ وَالمُصْحَفِ (ح) عَلَى أَصَحِّ القَوْلَيْنِ دَفعاً لِلذُّلِّ، وَيَصِحُّ شِرَاءُ الكَافِرِ أَبَاهُ المُسْلمَ عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شِرَاءٍ يَسْتَعْقِبُ العِتَاقَةَ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ وَارْتِهَانهُ لِلعَبْدِ المُسْلِمِ عَلَى أَقْيَسِ الوَجْهَيْنِ، لِأَنَّهُ لاَ مِلْكَ فِيهِ كَالإِعَارَةِ وَالإِيدَاعِ عِنْدَهُ، وَلاَ يَمْنَعُ مِنَ الرَّدِّ