الثالثة: لا يجوز بيع السَّمَك في الماء والطير في الهواء، وإن كان مملوكاً له لما فيه من الغَرَر، ولو باع السمك في بركة لا يمكنها الخروج منها، نظر إن كانت صغيرة يمكن أخذها من غير تعب ومشقة صح بيعها لحصول القدرة، وإن كانت كبيرة لا يمكن أخذها إلاَّ باحتمال تعب شديد، ففيه وجهان أوردهما ابْنُ سُرَيج فيما رأيت له من جوابات "جامعه الصّغير" وغيره:
أظهرهما: المنع، وبه قال أبو حنيفة كبيع الآبق، ويدل عليه ما روى عن ابن مسعود أنه قال: "لاَ يَشْتَرِي السَّمَكَةَ فِي الْمَاءِ، فَإِنَّهُ غَرَرَّ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الْغَررِ".
وهذا كله فيما إذا لم يمنع الماء رؤية السمك فإن منع الرؤية لكدورته فهو على قولي بيع الغائب، إلاَّ أن لا يعلم قلّة السمك وكثرتها وشيئاً من صفاتها فيبطل لا محالة، وبيع الحَمَام في البُرْج على التفصيل المذكور في البِرْكة، ولو باعها وهي طائرة اعتماداً على عادة عودها باللَّيل، ففيه وجهان كما ذكرنا في النَّحل:
أصحهما على ما ذكره في الكتاب: المنع، وبه قال الأكثرون إذ لا قدرة في الحال، وعودها غير موثوق به إذ ليس لها عَقْلٌ باعث (1).
قال الغزالي: وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفٍ مِنْ سَيْفٍ أَوْ نَصْلٍ قَبْلَ التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ يَنْقصُهُ وَالبَيْعُ لاَ يُوجبُ نُقْصَانَ غَيْرِ المبيعِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْ كِرْبَاسٍ لاَ يُنْقَضُ بالفَصْلِ عَلَى الأَصَحِّ، وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ مَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعاً وَهوَ المَرْهُونُ، وَإذَا جَنَى العَبْدُ جنَايَة تَقْتَضِي تَعَلُّقَ الأَرْش بِرَقَبَتهِ صَحَّ بِيْعُهُ عَلَى أَقْوَى القَوْلَيْنِ وَكَانَ الْتِزَاماً لِلْفِدَاءِ لأَنَّهُ لَمْ يَحْجُزْ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقْدِرُ عَلَى مَا لاَ يُفَوِّتُ حَقَّ المَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خِيَارُ الفَسْخِ إِنْ عَجَزَ عَنْ أَخْذِ الفِدَاءِ.
قال الرافعي: في الفصل ثلاث مسائل:
إحداها: لو باع نصفاً أو ربعاً أو جزءاً آخر شائعاً من سيف أو إناء أو نحوهما فهو صحيح، وذلك الشيء مشترك بينهما.