ثم لنختم الفصل بِسَرْد صور فنقول إذا باع صاع حِنْطَة بصاع حِنْطة، وفيهما أو في أحدهما فصل وهو عقد التَّبْن أو زُوَان؛ وهو حب أسودُ رَقِيقٌ يكون في الحِنْطة، لم يجز؛ لأنه يأخذ شيئاً في المكيال، فإن كان في أحدهما لزم التَّفاضل، وإن كان فيهما لزم الجهل بالتماثل، وكذا لو كان فيهما أو في أحدهما مَدَراً وحبات شعير.
وضبط الإمام المنع بأن يكون الخَلِيطُ قدراً، لو "ميَّز بَانَ على المِكْيال".
فأما ما لا يبين على المكيال إذا مُيز، فلا مبالاة به.
وإن كان فيهما أو في أحدهما دِقَاق تبن أو قليل تُرَاب لم يضر؛ لأن ذلك لم يدخل في تَضَاعف الحِنْطة ولا يظهر في المكيال، بخلاف ما إذا باع موزوناً بجنسه، وفيهما أو في أحدهما قليل تراب حيث لا يجوز؛ لأنه يؤثر في الوزن كم كان.
ولو باع حنطة بشعير، وفي كل واحد منهما أو أحدهما حبَّات من الآخر يَسِيرة صح البيع؛ وإن كثرت فلا.
قال الإمام: وليس المعتبر كونه بحيث يؤثر في المكيال ولا كونه متمولاً.
أما التأثير في المِكيال، فلأن المماثلة غير مرعية عند اختلاف الجنس، وأما التمول، فلأنه مفرداً غير مقصود، فالمعتبر أن يكون الشعير الذي خالطته الحنطة قدراً يقصد تمييزه ليستعمل شعيراً وكذا بالعكس.
ولو باع داراً بذهب فظهر فيها معدن الذهب، فهل يصح البيع؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، كبيع دار مُوِّهت بالذهب تمويهاً يحصل منه شيء بذهب.
وأصحهما: نعم؛ لأنه بائع بالإضافة إلى مقصود الدار.
ولو باع داراً فيها بئر ماء بدار فيها بئر ماء، وفرعنا على أن الماء ربوي، ففي صحة البيع وجهان: أصحهما: الصحة لما ذكرنا من معنى التبعية (1).
قال الغزالي: الطَّرَفُ الثَّانِي في الحَالَةِ الَّتِي تُعْتَبَرُ المُمَاثَلَة فِيهَا، وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بالتَّمْرِ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ فَقِيلَ: نَعَمْ فَقَالَ: فَلاَ إِذًا، فَنَبَّهُ عَلَى أَنَّ المُمَاثَلَةَ تُرَاعَى حَالَةَ الجَفَافِ وَهُوَ حَالُ كَمَالِ الشَّيْءِ، وَلاَ خَلاَص فِي المُمَاثَلَةِ قَبْلَهُ فَلاَ يَجْوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بالرُّطَبِ (م ح ز) وَلاَ بَالتَّمْرِ، وَكَذَا العِنَبُ (ح)، وَكُلُّ فَاكِهَةٍ (و) كَمَالُهَا فِي جَفَافِهَا وَهُوَ حَالَة الادْخَارِ.