وطال الفصل انقطع الخيار، نقلة صاحب "البيان"،
ثم الرجوع في التَّفرق إلى العادة، فما يعده الناس تَفَرَّقاً يلزم به العقد، فلو كانا في دار صغيرة، فالتفرق بأن يخرج أحدهما منها أو يصعد السَّطْح، وكذا لو كانا في مَسْجِدٍ صغير أو سَفِينَة صغيرة ..
وإن كانت الدَّار كَبِيرة، جعل التَّفرق بأن يخرج أَحَدُهما من البَيْت إلى الصَّحْراء، أو يدخل من الصَّحْن في بيت أو صُفَّة، وإن كانا في صحراء أو سوق فإذا ولى أحدهما ظهره الآخر ومشى قليلاً حصل التفرق، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- "إِذَا ابْتَاعَ شَيْئاً وَأَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ، قَامَ وَمَشَى قَلِيلاً" (1).
وعن الإِصْطَخْرِي: أنه يشترط أن يَبْعد بحيث إذا كلم صاحبه على الاعتياد من غير رفع الصَّوْت لم يسمع، ولا يحصل التَّفرق بأن يرخي بينهما ستر أو يشق بينهما نَهْر، وهل يحصل بأن يبني بينهما جدار من طين أو جصّ؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا؛ لأنه في مجلس العقد، وألحقه الإمام بما إذا حمل أحدهما وأخرج، وسيأتي الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-.
وصَحْن الدار والبيت الواحد إذا تفاحش اتِّسَاعهما كالصَّحراء، ولو تناديا متباعدين وتبايعا، صح البيع، وما حكم الخيار؟
قال الإمام: يحتمل أن يقال: لا خيار؛ لأن التَّفرق الطَّارئ قاطع للخيار، فالمقارن يمنع ثبوته، ويحتمل أن يقال: يثبت ما داما في مَوْضعهما، وهذا ما أورده المُتَوَلِّي (2). ثم إذا فارق أحدهما موضعه وبطل خِيَاره، هل يبطل خِيَارُ الآخر أو يدوم، إلى أن يفارق مكانه؟ فيه احتمالان للإمام (3).
ثم في الفَصْل ثَلاَثُ مسائل:
إحداها: إذا مات أحد المتبايعين في مجلس العقد، فقد نصّ في "المختصر" في البيوع: أن الخيار لوارثه، وفي المكاتب: أنه إذا باع ولم يتفرقا حتى مات المكاتب وجب البيع.