قال الغزالي: ثُمَّ إِنْ كَانَ الخِيَارُ لِلبَائِعِ وَحْدَهُ فَالمَبِيعُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ لِلمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالمِلْكُ مُنْتَقلٌ (وح) إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَثَلاثَةُ أَقْوَالٍ:
(أَحَدُهَا) أنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإنِ اسْتَقَر العَقْدُ تَبَيَّنَ زَوَالَ المِلْكِ بِنَفْسِ العَقْدِ، وَإنْ فُسِخَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلِ المِلْكُ وَلَمْ يَتِمَّ السَّبَبُ، وَالكَسْبُ وَالنِّتَاجُ وَالوَطْءُ وَالاسْتِيلاَدُ وَالعِتْقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الطَّوَارِئِ فُرُوعُ المِلْكِ فَيَنْتَظرُ آخِرُ الأَمْرِ وَمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ آخِراً يُقَدَّرُ وُجُودُهُ أَوَّلاً (و).
قال الرافعي: تقدم على فقه الفصل مقدمة، وهي أن الخيار إما أن يشرط لأحد المتعاقدين أو لكليهما أو لغيرهما، فإن شرط لأحدهما أو لهما فهو جائز.
إما للمشتري، فلحديث حِبان.
وإما للبائع أولهما. فبالقياس عليه والإجماع، ويجوز أن يشرط لأحدهما خيار يوم، وللآخر خيار يومين أوثلاثة، وإن شرط لغيرهما فذلك الغير إما أجنبي، أو الموكل الذي وقع العقد له، فإن كان أجنبياً فقولان:
أحدهما: أنه يفسد العقد والشَّرط، لأنه خيار يتعلَّق بالعقد، فيختص بالمتعاقدين كخيار العَيْب.
وأصحهما، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد -رضي الله عنهم- أنهما صحيحان، لأنه خيار يثبت بالشرط للحاجة، وقد تدعو الحاجة إلى شرطه للأجنبي لكونه أعرف بحال المعقود عليه، ويجري القولان في بيع العبد بشرط الخيار للعبد، ولا فرق على القولين بين أن يشرطا أو أحدهما الخيار لشخص واحد، وبين أن يشترط هذا الخيار لواحد، وهذا للآخر. وإذا قلنا: بالأصح، ففي ثبوت الخيار لمن شرط أيضاً قولان أو وجهان:
أصحهما، وهو ظاهر نصه في الصرف: أنه لا يثبت اقتصاراً على الشرط، كما إذا شرط لأحدهما لا يثبت للآخر.
والثاني: يثبت، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وعللوه بمعنيين:
أحدهما: أن شرط الخيار للأجنبي يشعر باستيفاء الشَّارط الخيرة لنفسه لطريق الأولى.
والثاني: أنه يستحيل ثبوت الخيار لغير المتعاقدين لا على سبيل النيابة، وخرج الإمام عليهما ما لو شرطا الخيار للأجنبي دونهما، فعلى المعنى الأول يختص بالأجنبي، وعلى الثاني لا يختص ويفسد الشرط، فإن لم يثبت الخيار للعاقد مع الأجنبي، فمات الأجنبي في زمان الخيار، ثبت الآن له في أصَحِّ الوَجْهَيْن كذا قاله في "التهذيب".
فإن أثبتا الخيار للعاقد مع الأجنبي، فلكل واحد منهما الاستقلال بالفسخ، ولو