إذا قررت المقدمة فللشافعي -رضي الله عنه- ثلاثة أقوال في أن الملك في البيع في زمان الخيار لمن هو؟
أحدها وبه قال أحمد: أنه للمشتري؛ لأن البيع قد تَمَّ بالإيجاب والقبول، فثبوت الخِيَار فيه لا يمنع الملك كخِيَار العيب، وعلى هذا فالملك في الثَّمَن للبائع.
والثاني وبه قال مالك: أنه باق للبائع لنفوذ تصرفاته، وقد روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا".
وعلى هذا فالملك في الثمن للمشتري.
والثَّالث: أنه موقوف فَإِنْ تم البيع، بَانَ حصول الملك للمشتري من وقت البيع، وإلا بَانَ أن ملك البائع لم يزل وكذا يتوقف في الثمن، ووجهه: أن البَيْع سبب الزوال، إلاَّ أن شرط الخِيَار يشعر بأنه لم يرض بعد بالزَّوَال جزماً، فوجب أن يتربَّص وينتظر عاقبة الأمر، وفي موضع الأقوال طرق:
أحدها: أن الخلاف فيما إذا كان الخِيَار لهما، إما بالشرط أو في خيار المجلس. أما إذا كان لأحدهما فهو المالك للمبيع لنفوذ تصرّفه فيه.
ويحكى هذا عن صاحب "التقريب"، وهو قريب مما أورده في الكتاب.
والثاني: أنه لا خلاف في المسألة، ولكن إن كان الخيار للبائع فالملك له، وإن كان للمشتري فهو له، وإن كان لهما فهو موقوف، وتنزل الأقوال على هذه الأحوال وهو اختيار القاضي الرُّوياني في "الحلية".
والثالث: طرد الأقوال في الأحوال، وهو أظهر عند عامة الأصحاب منهم العراقيون والحَلِيمِيّ، وإذا جرت الأقوال فما الأظهر منها؟
قال الشيخ أبو حامد ومن نَحَا نَحْوَه: الأظهر أن الملك للمشتري، وبه قال الإمام. وقال الآخرون: الأظهر: الوقف، وبه قال صاحب "التهذيب"، والأشبه: توسط ذكره جماعة، وهو: أنه إنْ كان الخيار للبائع، فالأظهر: بقاء الملك له، وإن كان للمشتري فالأظهر: انتقاله إليه، وإن كان لهما فالأَظْهَر: الوقف، وعلى هذا تَتَفَاوَتَ الأَحْوال من الأقوال، لا في تخصيص الخلاف ببعضها.
وقال أَبو حنيفة: إن كان الخِيَار لهما أو للبائع فالملك للبائع، وإن كان للمشتري زال ملك البائع، ولم يحصل لِلْمُشْتري.
التفريع لهذه الأقوال فروع كثيرة الانْشعاب:
منها ما يورد في سائر الأبواب، ومنها ما يختص بهذا الموضع، وصاحب الكتاب