أحدهما: أنه يخير بين الأقوات، لأن في بعض الروايات ذكر التَّمْر، وفي بعضها ذكر القمح فأشعر بالتخيير، ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة.
وأصحهما: أن الاعتبار بغالب قوت البلد كما في صدقة الفطر، ويحكى هذا عن مالك والإِصْطَخْري وتخريج ابن سريج.
والوجه الثاني حكاه الشيخ أبو محمد: أنه يقوم مقامه غير الأقوات، حتى لو عدل إلى مثل اللّبن، أو إلى قيمته عند إعواز المِثْل أجبر البائع على القبول اعتباراً بسائر المُتْلَفَات، وهذا كله فيما إذا لم يَرْضَ البائع.
فأما إذا تراضيا على غير التَّمْر من قوت أو غيره، أو على رد اللبن المحلوب عند بقائه جاز بلا خلاف، كذا قاله صاحب "التهذيب" وغيره، ورأيت القاضي ابن كج حكى وجهين في جواز إبدال التمر بالبُرّ عند اتفاقهما عليه.
وأما القدر: ففيه وجهان أيضاً:
أصحهما: أن الواجب صاع قلّ اللبن أو كثر، لظاهر الخبر، والمعنى فيه: أن اللَّبن الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذر التمييز، فتولى الشَّارع تعيين بدل له قطعاً للخصومة بينهما، وهذا كإيجاب الغُرَّة في الجنين مع اختلاف الأجِنَّة ذكورة وأنوثة، والأَرْش في الموضحة مع اختلافها صغراً وكبراً.
والثاني: أن الواجب يتقدَّر بقدر اللّبن؛ لما سبق من رواية ابن عمر -رضي الله عنهما- وعلى هذا فقد يزداد الواجب على الصَّاع، وقد ينقص، ثم منهم من خصّ هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصَّاع على نصف قيمة الشَّاة، وقطع بوجوب الصَّاع فيما إذا نقصت عن النِّصْف، ومنهم من أطلقه إِطلاقاً، ومتى قلنا بالوجه الثاني فقد قال الإمام تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز، وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز، فإذا كان اللَّبن عشر الشَّاة مثلاً أوجبنا من الصَّاع عشر قيمة الشاة.
فرع: اشترى شاة بصاع تمر فوجدها مُصَرَّاة، فعلى الأصح يردّها ويرد صاعاً، ويسترد الصاع الذي هو ثمن وعلى الثَّاني تقوم مُصَرَّاةً وغير مصرّاة، ويجب بقدر التفاوت من الصاع.
فرع: غير المُصَرَّاة إذا حلب لبنها ثم ردها بعيب.
قال في "التهذيب": يرد بدل اللبن كما في المُصَرَّاة.
وفي تعليق أبي حامد حكاية عن نصه: أنه لا يرد؛ لأنه قليل غير معتنى بجمعه، بخلاف ما في المُصَرَّاة، ورأى الإمام تخريج ذلك على أن اللبن هل يأخذ قسطاً من الثمن أم لا؟ والصحيح الأخذ.