المُكْثِ، وما لا يمكن صون الماء عنه، وبالمجاور لا يفترق حكمه بين اليسير والفاحش وقوله: "وكذا المتغير بطول المُكْثِ، والتراث، والزَّرْنيخِ"، عطفه على المتغير بالطين والطُّحْلُبِ، وأحسن منه على المتغير بما يجاوره والمتغير بما لا يمكن صون الماء عنه ليكون تعذر الصون نوعًا يدخل تحته المتغير بطول المكث، وما لا يخلو الماء عنه في المقر والممر، فمنه الطين، والطحلب، ومنه التراب الذي يثور وينتثر فيه.
وأما الماء الذي يطرح فيه قصداً فقد ذكره من بعد. والاختلافات التي ذكرناها في المشمس تقتضي أن يكون لفظ الكراهية في قوله: "وفي المُشَمَّسِ كراهية" معلَّماً بالواو والحاء والميم والألف وهو علامة أحمد -رضي الله عنه- وأن يكون قوله "من جهة الطب" معلَّماً بالواو إشارة إلى خلاف من اتبع ظاهر النهي، ولم تقف الكراهية على موضع خوف الوضع، ولا بأس أن يعلم قوله في الأواني المنطبعة بذلك أيضاً إشارة إلى استثناء من استثنى التِّبْرَيْنِ (1).
قال الغزالي: القِسْمُ الثَّالِثُ: مَا تَفَاحَشَ تَغَيُّرُهُ بِمُخَالَطَةِ مَا يَسْتَغنِي المَاءُ عَنْهُ حَتَّى زَايَلَهُ اسْمُ المَاءِ المُطْلَقِ فَلَيْسَ بِطَهُورٍ (ح) وَإِنْ لَم يَستَجِدَّ اسْمًا آخَرَ كالمُتَغَيِّرِ بِالصَّابُونِ وَالزَّعفَرَانِ الكَثِيرِ (ح) وَأجْنَاسِهِمَا.
قال الرافعي: إذا بلغ تغير الماء حَدًّا يَنْسَلِبُ به اسم الماء المطلق عنه خرج عن كونه طهوراً، ولا فرق بين أن يقع اسم الماء عليه مضافاً إلى الخليط المُغَيِّرِ كَمَاءِ الزَّغفَرانِ، والدقيق، أو لا يقع ويحدث له اسم آخر كَالصَّبغِ وَالمَرَقِ وَالحِبْرِ خلافاً لأبي حنيفة -رضي الله عنه- في الحالة الأولى. لنا وجهان:
أحدهما: القياس على مَاءِ البَاقِلاَّءِ ونحوه.
والثاني: أن النصوص الواردة في طهورية الماء متعرضة لاسم الماء عرياً عن القيود والإضافات والكلام فيما انسلب عنه اسم الماء عرياً عن القيود، والإضافات فلا يلحق بمورد النص لظهور الفرق في خاصية الرقة وغيرها. فإن قيل: النصوص متناولهّ للماء، وماء الزعفران ماء. قلنا: لا نسلمه، بل الماء المضاف على ضربين: منه ما يصح إطلاق اسم الماء عليه كماء البحر، وماء الكُوزِ.
ومنه ما لا يصح كَمَاءِ الوَرْدِ وماء الباقلاء فلم قلتم بان ماء الزعفران من قبيل الأول لا من قبيل الثاني؟ بل هو من الثاني فإن التغير الفاحش يصحح قول القائل: هذا ليس بماء وإنما هو ماء الزعفران؛ ولهذا لو حلف أن لا يشرب ماء فشرب ماء الزعفران