ولأحمد -رحمه الله- حيث جوز بيع ما لَيْس بِمَكِيْل، ولا مَوْزون، ولا مَعْدُود، ولا مَذْرُوع قبل القبض، ويروى عن مالك وأحمد -رحمهما الله- ما بينه وبين هذه الرِّوَاية بعض التَّفَاوت.
لنا ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ ابْتَاعَ طَعَاماً، فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ (1) ".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- "أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُسْتَوفَى، قَالَ: وَلاَ أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ مِثْلَهُ" (2).
وروي أنه -صلى الله عليه وسلم-: "نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَرِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ" (3).
وَرُوِيَ أنَّهُ لَمَّا بَعَثَ عَتَّاباً إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: "انْهَهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا يَقْبِضُوا، وَرِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا" (4).
وذكر الأصحاب عن طريق المَعْنَى سَبَبَيْن:
أحدهما: أَن الملك قبل القبض ضعيف، لكون المَبِيع مِنْ ضَمَان البَائع وانفساخ البيع لو تلف، فلا يفيد وِلاَيَة التَّصرف.
والثَّاني: أنه لا يتوالى ضماناً عقدين في شيء واحد، ولو نفذنا البيع من المشتري لأفْضَي الأمر إليه، لأن المبيع مضمون على البائع للمشتري، وإذا نفذ منه صار مضموناً عليه للمشتري الثَّاني، فيكون الشَّيء الواحد مضموناً له وعليه في عقدين والاعتماد على الأخيار، وإلاَّ فللمعترض أن يقول: تعنون بضعف المِلْك الانْفِسَاخ لو فرض تلف أو شيئاً آخر، إن عنيتم شيئاً آخر فهو ممنوع، وإن عنيتم الأوَّل فلم قلتم: إنَّ هذا القدر يمنع صحّة البيع؟
وأما الثاني: فلا يعرف، لكون المبيع من ضمانه معنى سوى أنه لو تلف ينفسخ البيع ويسقط الثمن، فلم لا يجوز أن يصح البيع؟ ثم لو تلف في يد البائع ينفسخ البيعان ويسقط الثمنان، ويتبيَّن أنه هلك في يده.
إذا تقرر ذلك فهل الإعتاق كالبيع؟ فيه وجهان:
أحدهما، ويحكى عن ابن خَيْرَانَ: نعم؛ لأنه إزالة مِلْك كالبيع.