والثاني: وهو الأظهر نعم، لأنه ليس في هِبَة الماء كثير مِنَّةٍ.
وهذان الوجهان يخرجان على ظاهر المَذْهَبِ في أنه إذا وهب منه الماء وجب عليه قبوله، وفيه وجه نذكره من بعد: وكل ما ذكرناه إذا لم يسبق تيمَّمَه تَيَمُّمٌ آخر، وطلب للماء، فإن سبق ذلك واحتاج إلى التيمم مرة أخرى إما لبطلان الأول بحدث، أو لفريضة أخرى فَائِتَةٍ، أو مؤداة، فهل يفتقر إلى إعادة الطلب فيه نظر إن انتقل من ذلك المكان إلى مكان آخر، أو أطبقت غمامه أو طلع ركب، وما أشبه ذلك مما يظن عنده حصول الماء، وجب الطلب كما في التيمم الأول نعم كل موضع تيقُّن بالطلب الأول أنه لا ماء فيه، ولمّا لم يجوّز بالسَّبب الذي حدث حصوله فيه لم يحتج إلى البحث والطلب في ذلك الموضع على ظاهر المذهب كما سبق. وإن لم ينتقل عن ذلك الموضع ولم يحدث شيء يوهم حصول الماء فإن تيقَّن بالطَّلب الأول أن لا ماء ثمَّ، فعلى ما ذكرنا في حالة يقين العدم: وإن لم يتيقنه، بل غلب على ظنه العدم فوجهان:
أحدهما: أنه لا يحتاج إلى إعادة الطلب، لأنه لو كان ثم ماء لَظَفَرَ به بالطَّلب الأول ظاهراً.
وأظهرهما: أنه يجب الطّلب ثانياً، لأنه قد يطلع على بئر خَفِيَتْ (1) عليه، أو يجد من يدله على الماء، لكن يجعل الطلب الثاني أخفّ من الأول.
وإذا عرفت ما ذكرناه، وتأملت قوله: "فإن دخل عليه وقت صلاة أخرى، ففي وجوب إعادة الطلب وجهان": فينبغي أن لا يخفى عليك منه شيئان:
أحدهما: أن هذا الخلاف غير مخصوص بما إذا دخل عليه وقت صلاة أخرى، بل معهما احتاج إلى إعادة التيمم، إما لهذا السَّبَب أو لأن تيممه الأول قد بطل بعروض حَدَثٍ أو طلوع رَكْب جرى الوجهان سواة تَخَلَّلَ بين التيممين زمان، أو لم يتخلل.
والثاني: أن كلامه وإن كان مُطْلقاً لكن الشرط في سورة الخِلاَف أن لا يحدث سبب يوهم حدوث الماء من الانتقال إلى مكان أخر، أو طلوع ركب ونحوهما، وإلا وجب إعادة الطَّلب بلا خلاف، وأن لا يكون العدم مستيقناً بمقتضى الطلب الأول، وإلا فإذا استيقن العدم ولم يحدث ما يوهم حصول الماء كان اليقين الأول مستمراً، ولا معنى للطَّلَبِ مع تيقُّن العدم كلما تقدم، ولك أن تعلم قوله: "فليتردد الرجل" بالحاء لأمرين:
أحدهما: أن عند أبي حنيفة ليسس على المتيمم طلب إلا إذا غلب على ظَنِّهِ أن بقربه ماء.